الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المقصود بعموم البلوى وهل يدخل فيه مصافحة الأجنبية

السؤال

ما هي الضوابط الشرعية للمصطلح الفقهي: عموم البلوى؟ وهل يجوز اعتبار مصافحة الرجل للمرأة من غير شهوة تفاديا لإشكاليات كثيرة إلى أن تحين الفرصة لتفهم المجتمع لهذه الأمور من المسائل التي تعم بها البلوى؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمصطلح عموم البلوى يعني: كما في الموسوعة الفقهية ـ الحالة، أو الحادثة التي تشمل كثيرا من الناس ويتعذر الاحتراز عنها، وعبر عنه بعض الفقهاء بالضرورة العامة، وبعضهم بالضرورة الماسة، أو حاجة الناس.

وفسره الأصوليون: بما تمس الحاجة إليه في عموم الأحوال، وعموم البلوى، أو العسر ومشقة الاحتراز من أسباب التخفيف في الشرع الإسلامي الحنيف.

وقد ذكر الفقهاء والأصوليون أسباب التخفيف ـ كالإكراه والنسيان والجهل والمرض والسفر ونقص المكلف وعموم البلوى ـ وهي راجعة إلى القاعدة الكبرى من أن المشقة تجلب التيسير مصداق قوله تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.{الحج: 78}.

ومن المسائل التي ذكرها الفقهاء مثالا على التخفيف بعموم البلوى ما ذكره السيوطي وابن نجيم من جواز الصلاة مع النجاسة المعفو عنها، كدم القروح والدمامل والبراغيث وطين الشارع وذرق الطيور إذا عم في المساجد والمطاف، وما لا نفس له سائلة، وأثر نجاسة عسر زواله، والعفو عن غبار السرقين وقليل الدخان النجس وأمثالها، وهي كثيرة مفصلة في كتب الفقه، ومن ذلك طهارة باطن الخف بدلكه بالأرض، وذكر السيوطي من الأحكام المبنية على عموم البلوى في غير العبادات: جواز أكل الميتة ومال الغير مع ضمان الضرر إذا اضطر، وأكل الولي من مال اليتيم بقدر أجرة عمله إذا احتاج، ومشروعية الرد بالخيارات في البيع وكذلك مشروعية العقود الجائزة ـ غير اللازمة ـ لأن لزومها يشق، كما ذكر منها إباحة النظر للخطبة والتعليم والإشهاد والمعاملة والمعالجة ونحوها، وليست مصافحة الأجنبية من هذا الباب، لأن شرط القول بعموم البلوى أن لا يكون في المسألة نص، وفي تحريم مصافحة الأجنبية نصوص معروفة، فلا يمكن أن يستباح ما دل النص على تحريمه بذريعة عموم البلوى، جاء في الموسوعة الفقهية: لكن المشقة والحرج إنما يعتبران في موضع لا نص فيه، وكذلك البلوى كما صرح به الحنفية.

قال ابن نجيم: لا اعتبار عند أبي حنيفة بالبلوى في موضع النص، كما في بول الآدمي، فإن البلوى فيه أعم. انتهى.

كما أن من شروط البلوي العموم والحرج والمشقة وليس الأمر هنا كذلك فيمكن أن يمتنع المسلم عن مصافحة من لا تحل له مصافحتها دون مشقة، وفتح هذا الباب تحت ذريعة عموم البلوى أمر خطير وتترتب عليه مفاسد عظيمة، فعلى المسلم أن يتقي الله تعالى ويترك ما حرمه عليه، سخط الناس وغضبوا من تمسكه بالشرع والتزامه به أم لا، فإن من أرضى الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أسخط الناس برضى الله رضي الله عنه وأرضى عنه الناس.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني