الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تصصيح مفاهيم حول طلب العلم

السؤال

ما الفرق بين التنطع وعدم التقديم على الشرع؟ وما الفرق بين الانضباط العلمي وعدم الكلام بالرأي غير المبني على علوم الآلة الكافية؟ وما الفرق بين الجمود والوقوف على كلام الأئمة فقط دون إعمال العقل، وإتاحة الفرصة له في التفكير؟ أتكلم عن طالب العلم الذي هو في مراحل العلم، وعندما يبلغ درجة البحث والاجتهاد، فهل يحق له أن يتكلَّم من واقع فكره، وما يجده في نفسه من استنتاجات ومعارف؟ أي: الاستنتاجات التي تنتج من وجود معلومات لم أقرأها لأحد، على أنه لا بد أن يكون ذكرها أهل العلم، أم أنه يجوز لي التحدث به، طالما أن علم الفتوحات صحيح، والعلم اللدني ذكره شيخ الإسلام؟ وما هي القواعد التي تحكم المراحل البينية لطالب العلم في هذه المسألة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فليس هناك تشابه بين التنطع، وبين الوقوف على أحكام الشرع، وعدم التقدم بين يديه! فالتنطع هو التكلف، والتعمق، والغلو، وتجاوز حدود الشرع، وهذا مذموم، وراجع فيه الفتوى رقم: 58124، بخلاف التمسك بأحكام الشرع وعدم مجاوزتها، فهذا أمر واجب محمود.

وكذلك الانضباط العلمي الذي يمنع صاحبه من التكلم في ما لا يحسنه، والخوض في ما لا يعرفه، مع مواصلة سبيل العلم والترقي في مدارجه؛ ليعرف ما كان يجهله، ويدرك ما كان يستعصي عليه، فهذا أمر محمود، بخلاف الجمود، والتقليد الأعمى، وعدم التدبر لأدلة الشرع، فهذا لا يقبل من طالب علم.

ولا بد للمرء أن يعرف مقامه من العلم؛ ليضع نفسه في موضعها، ويوجه جهده إلى ما يناسبه، ويليق به، ولمعرفة هذه المقامات، ووظيفة صاحب كل منها، ننقل كلامًا سهلًا للشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ حيث يقول في كتاب العلم: إننا لا نزال في دوامة من الذي يستطيع أن يستنبط الأحكام من الأدلة؟ هذه مشكلة؛ لأن كل واحد صار يقول: أنا صاحبها، وهذا في الحقيقة ليس بجيد، نعم من حيث الهدف والأصل، هو جيد أن يكون رائد الإنسان كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن كوننا نفتح الباب لكل من عرف أن ينطق بالدليل، وإن لم يعرف معناه وفحواه، فنقول: أنت مجتهد تقول ما شئت، هذا يحصل فيه فساد الشريعة، وفساد الخلق والمجتمع، والناس ينقسمون في هذا الباب إلى ثلاثة أقسام:
1ـ عالم رزقه الله علمًا وفهمًا.

2ـ طالب علم عنده من العلم، لكن لم يبلغ درجة ذلك المتبحر.

3ـ عاميّ لا يدري شيئًا.

أما الأول، فإنه له الحق أن يجتهد، وأن يقول، بل يجب عليه أن يقول ما كان مقتضى الدليل عنده، مهما خالفه من خالفه من الناس؛ لأنه مأمور بذلك، قال تعالى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] وهذا من أهل الاستنباط الذين يعرفون ما يدل عليه كلام الله وكلام رسوله.

أما الثاني، الذي رزقه الله علمًا، ولكنه لم يبلغ درجة الأول، فلا حرج عليه إذا أخذ بالعموميات، والإطلاقات، وبما بلغه، ولكن يجب عليه أن يكون محترزًا في ذلك، وألا يقصر عن سؤال من هو أعلى منه من أهل العلم؛ لأنه قد يخطئ، وقد لا يصل علمه إلى شيء خصص ما كان عامًّا، أو قيَّد ما كان مطلقًا، أو نسخ ما يراه محكمًا، وهو لا يدري بذلك.
أما الثالث، وهو من ليس عنده علم، فهذا يجب عليه أن يسأل أهل العلم؛ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7] وفي آية أخرى: {إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} [النحل: 43، 44] فوظيفة هذا أن يسأل .. اهـ. وراجع لمزيد الفائدة الفتويين: 62828، 75847.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني