الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تجديد التوبة عند إحداث الذنب مع إحسان الظن بالله

السؤال

بلغت من العمر 32 عاما، وأعيش بين أخطار النار يوما تلو الآخر، ولا أعلم كيف أخرج منها، فلا أذكر أني أكملت شهرا كاملا في الصلاة، ولم أكمل أيا من شهور رمضان، بل يزداد عصياني في الشهر الفضيل بعدم الصوم، ويصبح مزاجي سيئ ولا أطيق نفسي .. يأذن الله لي بالهداية أسبوعين أو ثلاثة، فأذوق حلاوة لا أستطيع وصفها، من التزام في المسجد، ودعاء مستجاب، وحماية من الله، وأشعر في هذه الفترة أني غائب عن الوعي من لذة وحلاوة الإيمان.
وفي كل سنة أصمم على الصوم والصلاة، وفي أول رمضان أكون في حالة روحانية عالية مع الله، بشكل لا يوصف، ثم فجأة ودون أي مقدمات يتبخر كل شيء، وكأنني لا أمت للإسلام بصلة، وأظل معذب الضمير طوال يومي، ودائما أسأل الله هل طردتني من رحمتك؟ هل تحبط أعمالي؟ هل حكمت علي بالموت مذنبا مبتعدا عنك؟ ولا أعلم هل أنا فعلا مطرود من رحمة الرحمن؟
من أفطر يوما عامدا متعمدا لن يفيده الدهر كله، فهل حكم علي بالطرد من رحمته؟ أقسم بمن أتذلل إليه خوفا بأن يهديني للصراط المستقيم أن الفترة التي ألتزم فيها -وهي قليلة- أشعر وكأن الأرض كلها ملكي، ولا شيء يصعب علي، حيث أصحو وحدي لصلاة الفجر في المسجد، وإن غفلت أرى رؤيا بشخص اسمه عبد الله يوقظني أصحو قبل الأذان بساعة لأقوم الليل وأقرأ القرآن، وصحتي تتمتع بنشاط غريب عجيب لم أشهده من قبل، ثم بعد أسابيع قليلة يتبخر كل هذا، وتتبدل أموري بالعصبية وكره نفسي، حتى أني أحاول عزل نفسي عن الناس من تأنيب الضمير، ولا أعلم إن كان كل هذا من دلائل طردي من رحمة الله، التي من دونها لن أفلح لا دنيا ولا آخرة.
وقد عشت وحدي سنوات طويلة أرفض الزواج من خوفي على شريكة حياتي من نفسي، ولكن الله أكرمني وتزوجت، وأحترمها جدا، وأعاملها بما يرضي الله، ولكن عندما تصيبني العصبية لا أعرف ماذا أتكلم، وماذا أفعل، كلما أشعر بنفسي أني غير ملتزم أكره الدنيا وأكره الناس وأكره كل من حولي، ولا أعلم ماذا أقول، فإن أفطرت عامدا متعمدا فلن أفلح حتى لو صمت الدهر كله، كيف أعوض السابق؟ كيف أرضي الله وكيف أدخل رحمته وأذوق حلاوة التذلل لوجهه الكريم؟
كل الأعوام التي مضت شهدتها بالعصيان وعدم الصلاة والصوم، وعندما أنوي التوبة لا يقدر الله لي الاستمرار، فهل هذه هي النهاية؟ لأن الله سبحانه عندما يرضى التوبة من شخص فإنه يثبته ويعينه، ولكن يحصل معي العكس تماما، ولا يعلم أي شخص بقدر الله وما كتبه لنا، ولكن هناك مؤشرات نشهدها دائما، مع أنني شخص ذو ثقافة عالية وخصوصا في علم التنمية البشرية وأكره التشاؤم وأكره التراجع للخلف بفضل الله، ولكن أمام حق الله الذي لم يوفه أحد حتى الآن أقف عاجزا مكتئبا باكيا يمر علي اليوم بسواد حالك، فأرجو من سماحتكم النظر في رسالتي بعين الرحمة والتدقيق، فأنا أشعر بأن أيامي محدودة، وأستشعر الموت يقترب مني يوما بعد يوم، وأخاف أن أموت على معصية الخالق.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلم -هداك الله- أن باب التوبة مفتوح لا يغلق في وجه أحد حتى تطلع الشمس من مغربها، وأنه مهما كان الذنب عظيما والجرم جسيما فإن عفو الله تعالى أوسع ورحمته أشمل، وقد وسعت رحمته تعالى كل شيء، قال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}، وأنت لو تبت من ذنوبك توبة نصوحا عدت كما لو لم تذنب قط، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" رواه ابن ماجه.

فلا علاج لما تعانيه - وقد وصفت من حلاوة الطاعة ما وصفت، ومن قبح المعصية وضررها وألمها ما ذكرت - إلا أن تبادر بتوبة نصوح مستوفية لشروطها وأركانها، فتندم على ما حصل منك من التقصير، وتعزم على عدم العودة إلى الذنوب، وتقلع عنها فورا مخلصا لله تعالى مستعينا به على الثبات، ومهما تكرر ذنبك فكرر التوبة ولا تيأس من روح الله، ولا تقنط من رحمة الله، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ولا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون، وأحسن ظنك بربك تعالى، وثق به، وأنه من توكل عليه وصدق في اللجأ إليه كفاه وأعانه ولم يخذله.

واعلم أن رجوعك للمعصية سببه استسلامك لوسوسة الشيطان ونزغه وتسويله، فاستعن بالله على دفع كيده، وأدم التعوذ منه، وخذ بأسباب الثبات على الاستقامة، من لزوم الدعاء وحضور مجالس الذكر، وصحبة الصالحين، ودوام الفكرة في الآخرة وما تتضمنه من الأهوال العظام والأمور الجسام، والفكرة في أسماء الرب تعالى وصفاته، فكل هذا يعينك بإذن الله على الثبات على الاستقامة، نسأل الله أن يرزقك التوبة النصوح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني