الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسألة الاجتهاد والتقليد

السؤال

هل يجوز لي أن أجتهد في الدين؟ أم يجب أن آخذ برأي إمام ما، مع أنني ألاحظ أغلاطا عليهم ومستعدة لمناظرتهم، وأعلم أنهم من البشر يخطئون ويصيبون، ولا أقول هذا الكلام تكبراً وتفاخرا، بل لكي أحافظ على ديني، وهل يجوز لي بعد أن أدرس الدين وأتفقه فيه أن أجتهد في الأحكام؟ أم هذا للأئمة الأربعة فقط؟ وهل يشترط له الذكورية؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فيمكن أن يقسم الناس إلى ثلاثة أصناف أو مراتب: عالم مجتهد، وطالب علم مميز، وعامي:

فالأول: متأهل للاجتهاد بنفسه.

والثاني: عنده من العلم ما يطلع به على أقوال العلماء، وينظر في أدلتهم، ويميز بينها، ويعمل بما يترجح عنده منها.

والثالث: مقلد لأهل العلم، لا يسعه الاجتهاد ولا النظر في الأدلة، وإنما يسأل من يثق به من أهل العلم ويعمل بما يفتيه به، يقول الدكتور عياض السلمي في كتاب: أصول الفقه الذي لا يسع الفقيه جهله:... وأما المقلّدُ الذي لا قدرةَ له على فهم الأدلّة والموازنة بينها: ففرضُه سؤالُ مَن يثقُ في علمه ودينه من العلماء، لقوله تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون {النحل43} وأما طالبُ العلم القادر على التمييز بين الراجح والمرجوح: فإن تبيّن له رجحانُ أحد القولين أخذ به، وإلاّ قلَّد عالماً. اهـ.

وبناء عليه، فإذا درست العلوم الشرعية، وحزت من العلم نصيبا يمكنك به التمييز بين الراجح والمرجوح من أقوال العلماء، فلك حينئذ النظر في أدلتهم في المسائل الخلافية، والأخذ منها بما ترجح لديك، علما بأن ملكة الترجيح هذه تعتمد على فهم قواعد اللغة، وقواعد الفقه، وأصوله، أما إن لم تدرسي العلوم الشرعية، فحكمك حكم العامي الذي يجب عليه سؤال أهل العلم وتقليدهم فيما يفتونه به.

وبالنسبة لدرجة الاجتهاد، فإنها مرحلة متقدمة جدا من العلم والفهم للدين بحكم التبحر في مختلف العلوم الشرعية، والتمكن من مختلف الوسائل المعينة على ذلك كاللغة والمنطق... وقل من يصل إليها، وقد بينا شروط الاجتهاد وضوابطه في الفتوى رقم: 34462، وليست الذكورة منها بالقطع.

وخير مثال على ذلك أمنا عائشة ـ رضي الله عنها ـ فقد عدت من مجتهدي الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ مع أنها امرأة، فإذا حصَّلت المرأة الشروط والضوابط التي بينا في الفتوى المحال عليها عدت من المجتهدين، هذا وننبه إلى أن العلماء ـ كما أشرت ـ بشر يخطئون ويصيبون، وهم معذورون في خطئهم إن كان عن اجتهاد أو عدم بلوغ دليل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر. متفق عليه

لكن ذلك لا يسقط حقهم في التوقير والاحترام، فهم ورثة الأنبياء، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود، والترمذي، وأحمد، وغيرهم، وإجلالهم وتوقيرهم هو إجلال لله سبحانه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط. أخرجه أبو داود، وحسنه الألباني.

ولقد هدد النبي صلى الله عليه وسلم وتوعد من لم يعرف للعلماء حقهم، فقال: ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه. رواه الحاكم في المستدرك، وحسنه الألباني.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني