الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من صلى الصبح في بيته وجلس لطلوع الشمس وصلى ركعتين هل ينال أجر حجة وعمرة

السؤال

ما الحكم في صلاة الفجر في البيت، والمكوث في المصلى إلى طلوع الشمس، علما أنني في كثير من الأحيان لا أدركها في المسجد.
هل يكون الأجر أجر حجة تامة؟
وجزاكم الله خيرا.
ملاحظة: الصلاة قبل خروج وقت الفجر.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فلا ينبغي للرجل ابتداء أن يتخلف عمدا عن صلاة الجماعة في المسجد؛ لما سيفوته بتخلفه من الأجر العظيم، لا سيما وأن كثيرا من العلماء ذهب إلى وجوبها، وتحريم التخلف عنها، كما بيناه في عدة فتاوى.

والحصول على ثواب حجة تامة، لمن قعد يذكر الله تعالى بعد الفجر، إنما هو مترتب على الأوصاف الواردة في الحديث، ومنها أن يكون قد صلاها في جماعة كما في الحديث: مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ. رواه الترمذي.

فإذا صلى في بيته جماعة، فيرجى له ذلك إذ لم يقيد الحديثُ بأن تكون الصلاة في المسجد؛ ولذا قال أهل العلم إن الثواب يحصل لمن صلى جماعة ولو في بيته.

قال العدوي المالكي في حاشيته على شرح كفاية الطالب الرباني عند شرحه للحديث السابق: ....قَوْلُهُ: [ فِي جَمَاعَةٍ ] ظَاهِرُهُ وَلَوْ فِي بَيْتِهِ.... اهــ. ومثله ما جاء في حاشية الطحطاوي الحنفي على مراقي الفلاح حيث قال : ... قوله: "في جماعة" ظاهره ولو مع أهل بيته ... اهــ.
وإذا صلى في بيته منفردا في بيته، لم ينل فيما يظهر هذا الثواب المذكور في الحديث، اللهم إلا إذا كان من عادته أن يصلي جماعة، ثم فاتته الجماعة لعذر، فإنه يرجى له أن ينال الثواب المذكور؛ لما دلت عليه السنة مِن أن العبد إذا كان حريصاً على عبادةٍ، وحال بينه وبينها عذر؛ فإنه ينال ثوابها، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ، أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا، صَحِيحًا. رواه البخاري وأحمد.

قال الحافظ في الفتح عند شرح هذا الحديث: قَالَ السُّبْكِيُّ الْكَبِير فِي الْحَلَبِيَّات: مَنْ كَانَتْ عَادَته أَنْ يُصَلِّيَ جَمَاعَة، فَتَعَذَّرَ، فَانْفَرَدَ، كُتِبَ لَهُ ثَوَاب الْجَمَاعَة؛ وَمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَادَة، لَكِنْ أَرَادَ الْجَمَاعَة، فَتَعَذَّرَ، فَانْفَرَدَ، يُكْتَب لَهُ ثَوَاب قَصْدِهِ، لَا ثَوَاب الْجَمَاعَة ... اهــ.
وقال أيضا: وَهُوَ فِي حَقّ مَنْ كَانَ يَعْمَل طَاعَة، فَمَنَعَ مِنْهَا، وَكَانَتْ نِيَّته لَوْلَا الْمَانِع أَنْ يَدُوم عَلَيْهَا. اهــ.
وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: فلذلك كل مرض من غير الزمانة، وكل آفة من سفر وغيره، يمنع من العمل الصالح المعتاد، فإن الله قد تفضل بإجراء أجره على من منع ذلك العمل بهذا الحديث. اهـــ.

وفي شرح رياض الصالحين للشيخ العثيمين: فالمتمني للخير، الحريص عليه إن كان من عادته أنه كان يعمله، ولكنه حبسه عنه حابس، كتب له أجره كاملًا. اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني