الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أعظم المصائب أن يجد المرء راحته ولذته حين يعصي الله

السؤال

أحد الأشخاص مبتلي بإدمان المواقع الإباحية، وهو يعلم حرمة هذه الأشياء، لكنه عندما يشاهدها يشعر بحالة من عدم التفكير المؤقت، ونسيان الهموم، وزوال الاكتئاب، وحالة من الخدر النفسي؛ لأنه في حياته الطبيعية دائم التفكير والهموم وضيق الصدر والألم النفسي وعدم الرغبة في الحياة، ويشعر أن ذلك يزول أثناء مشاهدته لهذه المحرمات، ولذلك متعلق بها، ولا يستطيع تركها، كيف يخلص قلبه من التعلق بهذه المحرمات؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله العافية لمن ابتلي بهذا البلاء، وإن من أعظم المصائب أن يجد المرء راحته ولذته حين يعصي الله، وهذه اللذة عابرة لا تلبث أن تزول، ثم يعود العاصي إلى نكد وضيق أعظم مما كان عليه قبل، قال ابن القيم: إِن حقيقة العبد روحه وقلبه، ولا صلاح لها إِلا بإلههما الذى لا إِله إِلا هو، فلا تطمئن فى الدنيا إِلا بذكره وهى كادحة إِليه كدحاً فملاقيته، ولا بد لها من لقائه، ولا صلاح لها إِلا بمحبتها وعبوديتها له ورضاه وإِكرامه لها، ولو حصل للعبد من اللذات والسرور بغير الله ما حصل لم يدم له ذلك، بل ينتقل من نوع إِلى نوع ومن شخص إِلى شخص ويتنعم بهذا في وقت ثم يتعذب به ولا بد في وقت آخر، وكثيراً ما يكون ذلك الذى يتنعم به ويلتذ به غير منعم له ولا ملذ، بل قد يؤذيه اتصاله به ووجوده عنده ويضره ذلك، وإنما يحصل له بملابسته من جنس ما يحصل للجرب من لذة الأَظفار التي تحكه، فهي تدمي الجلد وتخرقه وتزيد في ضرره، وهو يؤثر ذلك لما له في حكها من اللذة، وهكذا ما يتعذب به القلب من محبة غير الله هو عذاب عليه ومضرة وأَلم في الحقيقة لا تزيد لذته على لذة حك الجرب. اهـ. من طريق الهجرتين .

بل إن المرء لا يجترئ على مشاهدة المحرمات أو غيرها من المعاصي إلا بقدر فقدانه لحلاوة الإيمان ولذته، قال ابن رجب: فالإيمان له حلاوة وطعم يذاق بالقلوب كما يذاق حلاوة الطعام والشراب بالفم، فإن الإيمان هو غذاء القلوب وقوتها كما أن الطعام والشراب غذاء الأبدان وقوتها، وكما أن الجسد لا يجد حلاوة الطعام والشراب إلا عند صحته فإذا سقم لم يجد حلاوة ما ينفعه من ذلك، بل قد يستحلي ما يضره وما ليس فيه حلاوة لغلبة السقم عليه، فكذلك القلب إنما يجد حلاوة الإيمان من أسقامه وآفاته، فإذا سلم من مرض الأهواء المضلة والشهوات المحرمة وجد حلاوة الإيمان حينئذ، ومتى مرض وسقم لم يجد حلاوة الإيمان، بل يستحلي ما فيه هلاكه من الأهواء والمعاصي، ومن هنا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن"، لأنه لو كمل إيمانه لوجد حلاوة الإيمان فاستغنى بها عن استحلاء المعاصي .اهـ. من فتح الباري .

فالوصية للمبتلى بمشاهدة المحرمات أن يبادر بالتوبة من ذلك، وقد سبق أن بينا وسائل التخلص من مشاهد المحرمات في الفتوى رقم: 137744، وإحالاتها . فلتراجع .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني