الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يُطلب فعله من ولي الزاني

السؤال

ماذا يجب على ولي أمر الزاني والزانية؟
الله أنزل حد الزنا في سورة النساء بقوله تعالى: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا * واللذان يأتيانها منكم فآذوهما فإن تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما } [النساء: 15، 16]
ثم نسخت الآيتين في سورة النور بقوله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين } [النور: 2]
وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة والرجم) [رواه مسلم (1690)]
السؤال: في الأقطار الإسلامية التي تم تعطيل الحدود فيها، حيث أن السلطان لا يقيم حدود الزنا، هل يجب على ولي أمر الزانية أو الزاني إعمال آيتين سورة النساء بإمساك الزانية في البيت أو إيذاء الزاني حتى يتوب وذلك باعتبار أن السبيل الذي جعله الله لا يمكن تحقيقه في الواقع؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فان الحدود لا يقيمها إلا السلطان بعد ثبوت أسبابها أو نائبه، كما قال الحسن: أربعة إلى السلطان: الزكاة والصلاة والحدود والقضاء، وقال ابن العربي المالكي عند تفسير قوله تعالى: فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا [النور:2]، المسألة السادسة: لا خلاف أن المخاطب بهذا الأمر بالجلد الإمام ومن ناب عنه. اهـ

والواجب على ولي من زنى أن يستره ويحضه على التوبة والإكثار من الاستغفار والأعمال الصالحة، فقد قال الله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135}، وقال تعالى: فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ {المائدة:39}.

وليس عليه حبسه انطلاقا من آية الحبس لأنه ليس مكلفا بإقامة الحد المحكم فأحرى المنسوخ، ولكن عليه أن يسعى بقدر طاقته في منع حصول المنكر وتغييره والترهيب منه، فإن النهي عن المنكر وتغييره مسؤولية كل من يراه ويقدر على تغييره، فعن أبي سعيد ـ رضي الله عنه ـ أنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ.

ويدخل في منع الولي ولده أو بنته من الزنى أن يمنعهما من الخروج لمكان يفعلان به الفاحشة، ويتأكد ذلك في حق النساء، فقد نص الفقهاء على أن الثيب يضمها وليها إليه إن كانت غير مأمونة حتى يحفظها ويمنعها من الفاحشة.

قال ابن عابدين ـ معلقا على القول بحق الأب في ضم بنته الثيب غير المأمونة ـ: ... والظاهر أن الجد كذلك؛ بل غيره من العصبات كالأخ والعم ولم أر من صرح بذلك، ولعلهم اعتمدوا على أن الحاكم لا يمكنه من المعاصي وهذا في زماننا غير واقع فيتعين الإفتاء بولاية ضمه لكل من يؤتمن عليه من أقاربه ويقدر على حفظه، فإن دفع المنكر واجب على كل من قدر عليه لا سيما من يلحقه عاره، وذلك أيضا من أعظم صلة الرحم، والشرع أمر بصلتها وبدفع المنكر ما أمكن. اهـ من حاشية ابن عابدين

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني