الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بالدعاء والثناء يُكافَأ الشيوخ والعلماء

السؤال

يقول تعالي: {ولا تنسوا الفضل بينكم}.
لكم فضل كبير جدا وعظيم علي، والله يشهد أني أحبكم في الله وأدعو لكم، المشكلة أني أحس بشديد تقصير، ففضيلتكم تحملتموني وتساؤلاتي، وتعلمت منكم كثيرا، ولا زلت أتعلم.
والسؤال: كيف يستطيع طالب العلم أن يوفي بعضا من حقوق علمائه وإفضالهم عليه ـ فهو مهما فعل لن يستطيع أن يرد جميلهم بالطبع ـ؟ الدعاء شيء أساسي لأنه بالتأكيد أقل ما تستحقون، فهل من وسائل أخري إخوتي؟ فأنا أيضا قد بدأت بحفظ القرآن، والشيخ المحفظ يعلمني أحكام التجويد، ولا يريد أبدا أن يأخذ مالا أو أجرا، فأحس أيضا أني يجب إعطاؤه أو أن أفعل له شيئا مقابل فضله؟
فأرجو بارك الله فيكم أن ترشدوني لما أستطيع فعله في هذين الأمرين، وأسأل الله لكم عظيم الثواب والفوز بأعلى الجنان ومرافقة النبي عليه الصلاة والسلام، وأن يحقق الله كل أمنياتكم في الدنيا والآخرة، اللهم آمين يا رب العالمين.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فجزاك الله كل خير على ظنك الحسن بإخوانك القائمين على مركز الفتوى بموقع الشبكة الإسلامية، ويكفيك لكي تكون شاكرًا لهم أن تدعو لهم بظهر الغيب دعوة صالحة، وأن تذكر الموقع بخير في العالمين ما استطعت إلى ذلك سبيلًا، ومثل ذلك سائر شيوخك الذين لا يطلبون منك مكافأة مادية، فعليك بالدعاء لهم والشكر والثناء عليهم، فقد روى الترمذي في جامعه عن أسامة بن زيد ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أن رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ.

وروى الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ أُتِيَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَلْيُكَافِئْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَذْكُرْهُ، فَمَنْ ذَكَرَهُ فَقَدْ شَكَرَهُ.

واعلم أن دعاءك لإخوانك بظهر الغيب مستجاب ـ إن شاء الله تعالى ـ، وأن لك من الخير مثل ما دعوت لهم؛ فقد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ. رواه مسلم.
وقد حض الشرع على الشكر للمحسن كما في حديث الترمذي: لا يشكر الله من لا يشكر الناس.

وعن النعمان بن بشير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر. رواه أحمد، وحسنه الألباني.

وينبغي الجمع بين الدعاء والثناء لحديث أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال المهاجرون: يا رسول الله ذهب الأنصار بالأجر كله، ما رأينا قوما أحسن بذلا لكثير، ولا أحسن مواساة في قليل منهم، ولقد كفونا المؤنة، قال أليس تثنون عليهم به وتدعون لهم؟ قالوا: بلى، قال فذاك بذاك. رواه أبو داود والنسائي وصححه الألباني.

وفي لفظ عن أنس أيضا قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه المهاجرون فقالوا: يا رسول الله ما رأينا قوما أبذل من كثير ولا أحسن مواساة من قليل من قوم نزلنا بين أظهرهم، لقد كفونا المؤنة، وأشركونا في المهنإ، حتى لقد خفنا أن يذهبوا بالأجر كله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، ما دعوتم الله لهم، وأثنيتم عليهم. رواه الترمذي وصححه الألباني.

وإن تيسر لك أن تقدم لشيوخك هدية من دون تكلف فهو أفضل لما في الحديث: ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعو له حتى تروا أنكم قد كافأتموه. رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.

وقال الكلاباذي في شرح حديث: لا ما أثنيتم عليهم: أي لا يفضلونكم ولا يفوتكم، فإن دعاءكم الله لهم وثناءكم عليهم يقوم منكم مقام نفقاتهم منهم وبذل أموالهم، فتعطون على الدعاء والثناء من الأجر ما يعطون على النفقة والعطاء، وفيه أيضا وجوب مكافأة المعطي ومجازاة المحسن، ومعرفة الفضل للمنعم... اهـ

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني