الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علة تحريم الزنا ووصفه بالفاحشة

السؤال

لماذا الزنا فاحشة؟
بعيدًا عن اختلاط الأنساب وانتقال الأمراض وغيرها من الأمور التي يوجد لها حلول الآن، كوسائل منع الحمل والتأكد من خلو الزاني والزانية من الأمراض.
أنا أعلم أنه يجب علينا طاعة الله فيما أمرنا به ونهانا عنه، فهذا أمر نهائي، والله أعلم بما فيه مصلحة لنا، ولكني أسأل عسى أن يكون هناك إجابة أخرى.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالزنا فاحشة لأن الله تعالى قال عنه إنه فاحشة، هذا هو الجواب الذي يجب أن يكون حاضرًا بديهة في ذهن كل مؤمن بالله مصدق لكلامه، وهذا الوصف لن يزول عنه مهما حاول شياطين الإنس والجن تحسين صورته القبيحة والتقليل من مفاسده الكبيرة العظيمة؛ قال ابن عاشور في التحرير عند تفسير قوله تعالى: وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا {الإسراء:32}: "... وجملة إنه كان فاحشة تعليل للنهي عن ملابسته تعليلًا مبالغًا فيه من جهات بوصفه بالفاحشة الدال على فعلة بالغة الحد الأقصى في القبح، وبتأكيد ذلك بحرف التوكيد، وبإقحام فعل (كان) المؤذن بأن خبره وصف راسخ مستقر، كما تقدم في قوله: إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين [الإسراء: 27] . والمراد: أن ذلك وصف ثابت له في نفسه سواء علمه الناس من قبل أم لم يعلموه إلا بعد نزول الآية. وأتبع ذلك بفعل الذم وهو ساء سبيلًا، والسبيل: الطريق. وهو مستعار هنا للفعل الذي يلازمه المرء ويكون له دأبًا ... وعناية الإسلام بتحريم الزنا؛ لأن فيه إضاعة النسب، وتعريض النسل للإهمال إن كان الزنى بغير متزوجة، وهو خلل عظيم في المجتمع، ولأن فيه إفساد النساء على أزواجهن والأبكار على أوليائهن، ولأن فيه تعريض المرأة إلى الإهمال بإعراض الناس عن تزوجها، وطلاق زوجها إياها، ولما ينشأ عن الغيرة من الهرج والتقاتل، قال امرؤ القيس: علي حراصا لو يسرون مقتلي فالزنى مئنة لإضاعة الأنساب ومظنة للتقاتل والتهارج، فكان جديرا بتغليظ التحريم قصدًا وتوسلًا. ومن تأمل ونظر جزم بما يشتمل عليه الزنا من المفاسد، ولو كان المتأمل ممن يفعله في الجاهلية فقبحه ثابت لذاته، ولكن العقلاء متفاوتون في إدراكه وفي مقدار إدراكه، فلما أيقظهم التحريم لم يبق للناس عذر. انتهى منه مختصرًا.

ويمكنك مراجعة فصلٍ عقده ابن الجوزي في كتابه (صيد الخاطر) تكلم فيه عن فوائد النكاح، فإذا علمت تلك الفوائد العظيمة للنكاح، وأنه أصل منظومة الأسرة، وأصل إيجاد الذرية التي تعمر الكون، عرفت أن الزنا يهدم كل ذلك، فالنكاح في الإسلام ليس مجرد قضاء شهوة، وإنما هو وسيلة إلى مقاصد عظيمة كإنجاب الأولاد، وتكوين علاقات جديدة، وإيجاد المودة، والزنا يُسبب عكس ذلك.

ويقول أحد الباحثين المعاصرين: "إن شيوع التمتع باللذة الجنسية بالطريق المحرم وتيسير الوصول إليها يؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج الشرعي، وتهربهم من مسؤولية بناء الأسرة التي هي لبنة المجتمع، مما يفكك عرى هذا المجتمع وتحويله إلى أفراد لا يجمع بينهم أي رابط مشترك".

وراجع للمزيد الفتوى رقم: 56149، وإحالاتها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني