الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إيصال المدرس معومة خطأ للطلاب وما كفارة ذلك؟

السؤال

لدي سؤالان من فضلكم:
1- ما حكم من أخطأ في إيصال معلومة بخصوص مادة معينة، حسب ما يفهمه هو، وعند التأكد من المعلومة، اكتشف أنها خاطئة؟
2- هل أعد آثمة إن لم أعط الطلاب عشرة كاملة للسعي؛ لأني ساعدتهم في التصحيح؛ لتجنب حصولهم على معدلات عالية؛ لكيلا أتعرض للتساؤل من قبل القسم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فالخطأ لا يؤاخذ به العبد؛ لقول الله تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الأحزاب : 5 }. وفي سورة البقرة: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة: 286]. ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ, وَالنِّسْيَانَ, وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وغيره.

وهذا يشمل خطأ المعلم في التعليم أو غير ذلك، فلا إثم على العبد في الخطأ، ولكن رفع الإثم لا يعني رفع الضمان عند حصول ضرر، ولا يعني عدم إصلاح ما فسد بالخطأ عند التمكن من إصلاحه. وإذا قام المعلم بتعليم طلابه معلومة غير صحيحة، فإن الأمانة تقضي بأن يصحح لهم تلك المعلومة عند علمه بها، وهذا الإمام مالك -رحمه الله تعالى- مع جلالة قدره، يحكي عنه تلميذه ابن وهب فقال: سمعت مالكًا سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء؟ فقال: "ليس ذلك على الناس" قال ابن وهب: فتركته حتى خَفَّ الناس -أي: انصرفوا- فقلت له: "عندنا في ذلك سنة"، فقال: "وما هي؟ " قلت: حدثنا الليث بن سعد، وابن لهيعة، وعمر، وابن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري، عن أبي عبد الرحمن الحبلي، عن المستورد بن شداد القرشي قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدلُك بخنصره ما بين أصابع رجليه"، قال مالك: "إن هذا الحديث حسن، وما سمعت به قط إلا الساعة"، ثم سمعته بعد ذلك يُسأل، فيأمر بتخليل الأصابع. اهــ.
ومثل ذلك ما حصل للفقيه أبي الفضل الجوهري حين قال مرة في درسه: إن النبي صلى الله عليه وسلم طلق، وظاهر، وآلى. فلما خلا، جاءه أحدُ من حضر الدرس، وكان غريبا وبين له أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق، وآلى، ولكنه لم يظاهر من زوجاته، وأن الظهار منكر من القول وزور، والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم من هذا، قال الغريب ( فضمني إلى نفسه، وقبلَ رأسي، وقال لي: "أنا تائب من ذلك، جزاك الله عني من معلمٍ خيرًا) وفي اليوم التالي أثنى عليه أمام الطلاب، وقال لهم هذا معلمي، وصحح لهم ما قاله بالأمس.

قال ابن العربي في أحكام القرآن بعد ذكره للقصة -وهي طويلة- قال: فَانْظُرُوا -رَحِمَكُمْ اللَّهُ- إلَى هَذَا الدِّينِ الْمَتِينِ، وَالِاعْتِرَافِ بِالْعِلْمِ لِأَهْلِهِ عَلَى رُءُوسِ الْمَلَإِ، مِنْ رَجُلٍ ظَهَرَتْ رِيَاسَتُهُ، وَاشْتُهِرَتْ نَفَاسَتُهُ، لِغَرِيبٍ مَجْهُولِ الْعَيْنِ لَا يُعْرَفُ مَنْ، وَلَا مِنْ أَيْنَ، فَاقْتَدُوا بِهِ تَرْشُدُوا. اهــ.
وربما ترتب في المستقبل ضرر بسبب تلك المعلومة التي تلقاها الطالب من معلمه، لا سيما في العلوم التطبيقية التجريبية كالطب، والهندسة ونحوهما.

والسؤال الثاني غير مفهوم بوضوح، والذي نقوله باختصار: إذا كان الطالب مستحقا للدرجة الكاملة؛ لكونه حصلها بجهده من غير مساعدة من أحد، فإنه يُعطى درجته كاملة، وإنقاص درجته في هذه الحال يعتبر ظلما له.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني