الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نسبة الفضل لله تعالى لا يتعارض مع نسبة الفضل لمن أجراه الله على يديه

السؤال

أعاني من خلل وشكوك في العقيدة، حول موضوع "نسبة الفضل لله" لأني أرى أن فضل الله يشترك معه فضل الناس.
فمثال على ذلك: حينما تشتري والدتي لنا الطعام من السوق، فهل نقول هنا: إنه من فضل الله، وكذلك حينما تأمر الدولة بصرف الإعانة لي، فهل أقول: هذا من فضل الله، فأنا غير قادر على نسبة كل الأشياء لله؛ لأنني أشعر أن للناس فضلًا، قد يكون متداخلًا مع فضل الله، وكذلك لما ربط النبي صلى الله عليه وسلم شكر الناس بشكر الله، فقال: من لا يشكر الناس لا يشكر الله.
فأرجو منكم أن توضحوا لي الإجابة؛ لأنني قرأت كثيرًا حول هذا الموضوع، إلا أنني لم أجد جوابًا أقنعني، ولا زال الشك معي -جزاكم الله كل خير-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهوّن عليك، فالأمر يسير، فنسبة الفضل كله لله تعالى، حق واجب؛ لأنه خالقه، وميسره، ومدبره، ومهيئ أسبابه، ولولا فضله سبحانه لم يكن شيء من الخير أبدًا، فعن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: سلوا الله كل شيء، حتى الشسع، فإن الله إن لم ييسره، لم يتيسر. رواه أبو يعلى وابن السني. قال الهيثمي في المجمع: رجاله رجال الصحيح، غير محمد بن عبد الله بن نمير، وهو ثقة. اهـ. وقال الألباني: موقوف جيد، رجاله كلهم ثقات، رجال مسلم. اهـ.

وهذا لا يتعارض مع نسبة الفضل لمن أجراه الله على يديه، وجعله سببًا فيه، وساعيًا إليه، ومكتسبًا له، ولكن هذه النسبة دون النسبة الأولى في الرتبة، والحقيقة؛ ولذلك عد العلماء في أنواع الشرك الأصغر: شرك الألفاظ، كالتسوية بين الله تعالى وبين أحد من خلقه في الرتبة، قال الشيخ حافظ حكمي في أعلام السنة المنشورة: ومنه ـ أي الشرك الصغرـ قول: لولا الله وأنت، وما لي إلا الله وأنت، وأنا داخل على الله وعليك، ونحو ذلك ... قال أهل العلم: ويجوز لولا الله ثم فلان، ولا يجوز لولا الله وفلان. اهـ.

قال الشيخ ابن عثيمين في القول المفيد: لأن الواو تقتضي المساواة، فتكون شركًا، وثم تقتضي الترتيب والتراخي، فلا تكون شركًا. اهـ.

وقال الشيخ الغنيمان في شرح فتح المجيد: وهذا يقوله الناس، ويكثر في أقوالهم، فهم يجعلون ما يحصل لهم من الخير بسبب أمر من الأمور التي قد تكون سببًا، وقد لا تكون سببًا، والأسباب كلها بيد الله هو الذي جعلها أسبابًا، وإذا شاء أن يعطلها عطلها، وإذا شاء أن يوجد موانع تمنع حصول ما يترتب على السبب أوجد ذلك، فالأمر بيده، ويجب أن يرد الشيء إليه؛ ولهذا يستحب إذا أراد الإنسان أن يضيف شيئًا إلى شيء أن يقول: لولا الله ثم كذا. اهـ.

وقال الحقوي في شرح التوحيد: أراد بها المصنف هنا الشرك الأصغر؛ كالشرك في الألفاظ، والحلف بغير الله، وكالتشريك بين الله وبين خلقه في الألفاظ، كـ: (لولا الله وفلان؛ وهذا بالله وبك)، وكإضافة النعم، ووقوعها لغير الله كـ: (لولا الحارس لأتانا اللصوص، ولولا الدواء الفلاني لهلكت، ولولا حذق فلان في المكسب الفلاني، لما حصل كذا)، فكل هذا ينافي التوحيد الواجب. والواجب أن تضاف الأمور ووقوعها، ونفع الأسباب إلى إرادة الله ابتداء، ثم يذكر مع ذلك مرتبة السبب ونفعه، فيقول: (لولا الله ثم كذا)؛ ليعلم أن الأسباب مرتبطة بقضاء الله وقدره، فلا يتم توحيد العبد حتى لا يجعل لله ندًّا في قلبه، وقوله، وفعله. اهـ.

والمقصود أن نسبة الفضل كله لله تعالى هي نسبة حقيقة، فهو خالقه، وميسر أسبابه، كما أن نسبته للمخلوق الذي جرى على يديه نسبة صحيحة؛ بالنظر إلى السببية، والكسب؛ ولذلك كان حقًّا على العبد أن يشكر الله تعالى أولًا، ثم يشكر من أجرى الله الخير على يديه، فأحسن بذلك إلى العبد. وقد رغّبت الشريعة في ذلك، وأكّدت عليه، وذمّت من لا يقوم به، ومن ذلك الحديث الشريف الذي ذكره السائل، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: من لا يشكر الناس، لا يشكر الله. رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني. وقد سبق لنا شرحه وبيان دلالته، وذلك في الفتوى رقم: 34287.

ومن ذلك أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: من آتى إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه. رواه أحمد، وأبو داود، والنسائي، وصححه الألباني. والمكافأة على المعروف نوع إقرار بالفضل لأهله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني