الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية تحصيل الخشوع واستقامة القلب والجوارح

السؤال

مشكلتي -بارك الله فيكم- تكمن في العبادات القلبية. لا أعرف كيفية الوصول إليها، وتعلمها؛ كيف أكون خاشعة، مخبتة، رقيقة، وسليمة القلب. كيف أتوكل على الله حق التوكل وإلخ؟
أريد أن أكون مستقيمة قلبًا وقالبا، أريد أن أكون مؤمنة حقا، أريد أن أكون أمة، وعالمة ربانية. يقولون إني ملتزمة، ولكني أرى نفسي بعيدة جدا عن الالتزام؛ لأني أريد أن يستقيم قلبي، فبه تستقيم الجوارح.
وكنت أريد أن أقرأ في كتاب مدارج السالكين، ولكن وجدت من العلماء من يحذر منه.
فما قولكم فيه؟ وإن كان سيئًا فأريد تهذيبا له.
وأخيرًا أعتذر عن الإطالة.
وجزيتم خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن أصل الصلاح هو صلاح القلب وطهارته، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت، فسد الجسد كله، ألا وهي القلب. متفق عليه.

فلا يمكن أن يستقيم حال العبد حتى يستقيم قلبه، كما قال صلى الله عليه وسلم: لا يستقيم إيمان عبد، حتى يستقيم قلبه. رواه أحمد وحسنه الألباني.

ولذلك كان علاج الفتور وغيره من الآفات، إنما يبدأ بإصلاح القلب، وتنقيته من أمراضه، ثم مجاهدة النفس، والشيطان.

ومن أكبر أسباب تحصيل الخشوع: العلم بأنه لب الصلاة وروحها، وأن الصلاة بلا خشوع، كجسدٍ ميتٍ لا روح فيه، يُخشى أن يُضربَ بها وجه صاحبها، فلا تصعد إلى الله عز وجل، والعلم كذلك بأن الخشوع من أكبر موجبات الفلاح للعبد في الدنيا والآخرة، قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {المؤمنون:1-2}.

ويتحققُ الخشوع بإقبال العبد على صلاته، وإعراضه عن الدنيا والفكر فيها، وأن يحرص على أداء الصلاة بهيئتها الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مع الحرص على تدبر الأذكار، والتفكر في معاني الآيات.

وقد ذكر ابن القَيِّم -رحمه الله- في الكلام على التوكل: أن التوَكُّل حالٌ مرَكَّبة من مجموع أمور، لا يتحقق التوكل إلا بها:

أولها: معرفة بالرب وصفاته؛ من قدرته وكفايته وقَيّوميته، وانتهاء الأمور إلى علمه، وصدورها عن مشيئته وقدرته، وهذه المعرفة أول درجة يضع بها العبد قدمه في مقام التوكل.

الثاني: الأخْذ بالأسباب؛ فإنَّ الله عزَّ وجلَّ جَعَل لكلِّ شيء سببًا.

الثالث: رُسُوخ القلب في مقام التوحيد، وعلى قدر تجريد التوحيد وصحتِه، تكون صحة التوكل. أن يعتقد العبد أن الله وحده هو القادر على تحقيق مطالبه وحاجاته، وأن كل ما يحصل له إنما هو بتدبير الله وإرادته. وفي هذا قال عز وجل: ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 123].

الرابع: اعتماد القلب على الله، واستناده إليه، وسكونه إليه، فلا يتعَلَّق بالأسباب، ولكن يعتمد على مُدَبِّر الأمر، ومُسَبِّب الأسباب. الخامس: حسن الظن بالله عز وجل، فعلى قدر حسن ظنك بربك، ورجائك له، يكون توكلك عليه، فتعتقد أنَّ تدبير الله عزَّ وجل لك، خير مِن تدبيرك لنفسك. اليقين بأن الله تعالى سيحقق للعبد ما يتوكل عليه فيه إذا أخلص نيته، وعلق قلبه بخالقه ومولاه. وفي هذا قال الله عز وجل: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3].

السادس: استسلام القلب لله، وانجذاب دواعيه كلها إليه.

السابع: التفويض؛ وهو روح التوكل ولبه وحقيقته، وهو إلقاء الأمور كلها إلى الله وإنزالها به، طلبا واختيارا، لا كرها واضطرارا. قال عز وجل على لسان نبيه شعيب: ﴿ وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ﴾.

الثامن: الرضا؛ وهي ثمرة التوكل. فإن من توكل حق التوكل، رضي بما يفعله وكيله. اهـ.

وأما الاستقامة: فطريقها أن تحافظي على الفرائض، وتكثري من فعل النوافل، وتحضري حلق العلم، ومجالس الذكر، وتجتهدي في تعلم أحكام الشرع، وتصحبي أهل الخير، وتبتعدي عن صحبة الأشرار، وتكثري التفكر في الموت، والجنة والنار، وتكثري من التفكر في أسماء الرب تعالى، وصفاته، وتكثري من قراءة القرآن بالتفكر والتدبر، وعليك مع هذا كله بالاجتهاد في الدعاء؛ فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء، نسأل الله لنا ولك الهداية.

وقد سبق لنا بيان ذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 47474، 17323، 19176، 36116 ،117730 .

وأما عن مدارج السالكين، فراجعي الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 38540، 266503،269188.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني