الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تقبل التوبة من الكذب دون إخبار من كذب عليهم؟

السؤال

عمري 17 سنة، وقد قمت بالكثير من الفجور والكذب، وقد تبت، ولكنني لا أشعر بالارتياح، فهل علي إعادة توبتي؟ وأفكر دائما فيما سيحصل في الآخرة ويوم القيامة؟ فهل سيسترني الله في الآخرة كما سترني في الدنيا أمام من كذبت عليهم؟ وهل يجب أن أخبر من كذبت عليهم بكل الحقيقة مع أنها ستجر علي الكثير من العواقب؟ أخاف من معصية الله ودخولي النار، فهل أعاقب على أعمالي وأنا في هذا العمر؟ وقد تبت من دون بكاء، ولم أعد أعمل كما كنت أعمل في السابق، وكنت نادمة أشد الندم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يتقبل توبتك، وأن يمحو حوبتك، وأن يثبتك على هداه، واعلمي أن العبد مأمور بالتوبة على كل حال، قال ابن القيم: ومنزل التوبة أول المنازل، وأوسطها، وآخرها، فلا يفارقه العبد السالك، ولا يزال فيه إلى الممات، وإن ارتحل إلى منزل آخر ارتحل به، واستصحبه معه ونزل به، فالتوبة هي بداية العبد ونهايته، وحاجته إليها في النهاية ضرورية كما أن حاجته إليها في البداية كذلك، وقد قال الله تعالى: وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون {النور: 31}وهذه الآية في سورة مدنية، خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه أن يتوبوا إليه، بعد إيمانهم وصبرهم، وهجرتهم وجهادهم، ثم علق الفلاح بالتوبة تعليق المسبب بسببه، وأتى بأداة لعل المشعرة بالترجي، إيذانا بأنكم إذا تبتم كنتم على رجاء الفلاح، فلا يرجو الفلاح إلا التائبون، جعلنا الله منهم، قال تعالى: ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون {الحجرات: 11} قسم العباد إلى تائب وظالم، وما ثم قسم ثالث البتة، وأوقع اسم الظالم على من لم يتب، ولا أظلم منه، لجهله بربه وبحقه وبعيب نفسه وآفات أعماله، وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا أيها الناس، توبوا إلى الله، فوالله إني لأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ـ وكان أصحابه يعدون له في المجلس الواحد قبل أن يقوم: رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور ـ مائة مرة، وما صلى صلاة قط بعد إذ أنزلت عليه: إذا جاء نصر الله والفتح {النصر: 1} إلى آخرها، إلا قال فيها: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي ـ وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لن ينجي أحدا منكم عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل ـ فصلوات الله وسلامه على أعلم الخلق بالله وحقوقه وعظمته، وما يستحقه جلاله من العبودية، وأعرفهم بالعبودية وحقوقها وأقومهم بها. اهـ.

فيتبين من هذا أن السؤال: هل علي إعادة توبتي ـ لا وجه له أصلا، ونوصيك بإحسان الظن بالله، فهو سبحانه عند ظن عبده به، وإذا صدقت توبتك، فإنك تنالين ـ بإذن الله ستره ـ في الآخرة ومغفرته، والمعافاة من العقوبات، والنجاة من النار.

وأما إخبار من كذبت عليهم بكذبك: فذلك ليس بواجب من حيث الأصل، وليس شرطا في التوبة من الكذب، إلا إن كان في الكذب مضرة عليهم، وانظري مزيد بيان في الفتوى رقم: 341143.

وأما البكاء: فليس شرطا في صحة التوبة، كما سبق في الفتوى رقم: 61613.

وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 189117.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني