الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إذا وضعت الأم ابنها من الزنى أمام مسجد ومات الطفل بسبب الجوع أو الحر

السؤال

أشكركم على هذا الموقع النافع للإسلام والمسلمين.
إذا زنى رجل بامرأة، ونتج عن هذا الزنى حمل، وقامت المرأة بالتخلي عن المولود، ووضعته أمام مسجد، أو مركز إيواء، وذهبت، وخلال هذه المدة مات هذا المولود، إما لنقص الغذاء، أو الشمس، أو أي عارض من عوارض الحياة، فهل هذا العمل يعتبر من القتل العمد؟ وماذا على الرجل والمرأة من حيث الحكم الشرعي في إهمالهما للطفل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالزنى من أفحش الذنوب، ومن أكبر الكبائر التي تجلب غضب الله.

وإذا حملت المرأة، وولدت من الزنى، فإنّ هذا الولد لا ينسب إلى الزاني عند جماهير العلماء، ولكنه ينسب إلى أمّه فقط.

وإذا تخلت الأمّ عن هذا الولد، وقامت بوضعه أمام مسجد، أو مركز إيواء؛ ليأخذه من يقدر على إيوائه ورعايته، وتركته دون مراقبة، ومضت إلى حالها، فمات الطفل بسبب الجوع، أو حرّ الشمس، أو غير ذلك، فلا ريب في كون الأمّ مفرّطة وضامنة، لكن دخول ذلك في حكم القتل العمد، محل نظر، فبعض الفقهاء لا يعد مثل ذلك قتلًا، وبعضهم يعده قتل خطأ.

والراجح عندنا أنّ في المسألة تفصيلًا وفق مذهب الحنابلة: فإن تركت الأمّ الولد في حال يغلب على الظن سلامته؛ لكون الجوّ معتدل الحرارة، والموضع الذي ترك فيه الطفل يكثر فيه المارة، ويبعد أن يتركوه جميعًا، ولكن حصل خلاف ذلك مما تسبب في موت الطفل، ففي هذه الحال، لا يكون حكم فعل المرأة قتل عمد، ولكنه شبه عمد.

وأمّا إذا كان الغالب على الظن هلاك الولد بسبب شدة الحر، أو البرد، أو ندرة من يمر بهذا الموضع، ونحو ذلك، فمات الولد، ففي هذه الحال يكون حكم فعلها حكم قتل العمد.

وإذا تساوى الأمران، ولم يغلب على الظن السلامة أو الهلاك، فهو شبه عمد، وليس عمدًا، قال ابن قدامة -رحمه الله- في كلامه على أنواع القتل العمد: الضرب الرابع: أن يحبسه في مكان، ويمنعه الطعام والشراب مدة لا يبقى فيها حتى يموت، فعليه القود؛ لأن هذا يقتل غالبًا، وهذا يختلف باختلاف الناس، والزمان، والأحوال، فإذا كان عطشان في شدة الحر، مات في الزمن القليل، وإن كان ريان والزمن بارد أو معتدل، لم يمت إلا في زمن طويل، فيعتبر هذا فيه. وإن كان في مدة يموت في مثلها غالبًا، ففيه القود. وإن كان لا يموت في مثلها غالبًا، فهو عمد الخطأ. وإن شككنا فيها، لم يجب القود؛ لأننا شككنا في السبب، ولا يثبت الحكم مع الشك في سببه، لا سيما القصاص الذي يسقط بالشبهات.

فإذا كان هذا الفعل من المرأة قتل عمد، ففيه القصاص، وإن كان شبه عمد، ففيه الدية على عاقلتها، والكفارة عليها.

وأما الزاني الذي ليست له يد في تعريض الولد للموت، فليس عليه إلا التوبة إلى الله من الزنى. وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 215050. هذا من حيث الحكم.

أما التنفيذ، فمرجعه إلى القاضي الشرعي.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني