الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العلاج العملي لمن وقعت في كبيرة مع قريبها ويهددها إن لم تتطلق وتتزوجه

السؤال

أنا زوجة، وأم لخمسة من الأبناء. ملتزمة، ومنتقبة، وأحفظ ما تيسر من القرآن، وصوامة قوامة. ولكني وقعت بكبيرة من الكبائر مع قريب لي، وهو الآن يهددني إن لم أطلق من زوجي وأتزوجه، سيدمر حياتي. وزوجي رجل خلوق وكريم، واتفقت معه على الطلاق؛ لأني لا أقدر على العيش معه بعد ما حدث. ضاقت علي الدنيا بما رحبت، ولماذا تركني وربي وخذلني بعد ما كنت في معية الله.
أريد الانتحار، ولكن ما زال ضميري يقظا، وخوفي من الله قائما، ولا أقدر على الاستمرار في حياتي، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
نادمة ومعذبة، ولا أعرف ماذا أفعل؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فندمك على ما فعلت هو بداية السير في الطريق الصحيح، فاجعلي من هذا الندم توبة نصوحا، مستوفية لشروطها، والتي قد سبق بيانها في الفتوى رقم: 29785.

ولا يلزمك أن تستسمحي زوجك، أو أن تخبريه بما حدث، بل ولا يجوز لك إخباره، ويكفي أن تكثري من الدعاء له بخير، فهذا كاف في التحلل من الحقوق المعنوية؛ كما ذكر أهل العلم، ويمكنك مطالعة الفتوى رقم: 18180.

واحرصي على تناسي ما كان منك من زلل، وأحسني الظن بربك، فإنه غفار لمن تاب وآمن، وعمل صالحا ثم اهتدى، وراجعي لمزيد الفائدة، الفتوى رقم: 248266.

وإن كان قريبك هذا بعد أن فعل معك ما فعل من منكر عظيم، يحثك على الطلاق من زوجك ليتزوجك، فهذا يدل على لؤم وجفاء طبع، وفساد نية وسوء طوية، وهو يعمل بذلك عمل السحرة والشياطين الذين يسعون إلى التفريق بين الأحبة.

وقد تبرأ النبي صلى الله عليه وسلم ممن يسعى في إفساد الزوجة على زوجها؛ ففي سنن أبي داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبب امرأة على زوجها.... أي أفسدها عليه.

قال شمس الحق أبادي في عون المعبود: بأن يذكر مساوئ الزوج عند امرأته، أو محاسن أجنبي عندها. اهـ.

ولعظم هذا الجرم، ذهب فقهاء المالكية إلى أنه إذا أفسدها عليه وفارقها زوجها، لم تحلل للمخبب أبدا، بل تحرم عليه على التأبيد.

جاء في فتاوى عليش المالكي: من خلَّق امرأة على زوجها: أي أفسدها عليه، ووسوس إليها في السر حتى نشزت عليه، فطلقها الزوج؛ فإنها تحرم على مُخَلِّقها، ولا تحل له أبدا، معاملة له بنقيض قصده، كما قيل في النكاح في العدة. اهـ.

ولا تلتفتي إلى تهديده، بل هدديه أنت بالإخبار عن تحريضه لك بالطلاق من زوجك، ولو قدر أن فضحك، ونسب إليك فعل المنكر، فلك أن تستخدمي المعاريض، فتنفي أنك قد فعلته، وتعنين بذلك بعد التوبة، ففي المعاريض مندوحة عن الكذب، كما جاء في الأثر. وراجعي الفتوى رقم: 37533.

وأما الانتحار فلا ينبغي أن يفكر فيه عاقل مثلك، فضلا عن أن يقدم عليه بالفعل، وهل هو إلا انتقال إلى شقاء أعظم، فهو ليس بدواء، وإنما داء وشر وبيل، ولمعرفة ما جاء فيه من الوعيد، راجعي الفتوى رقم: 10397.

ونرجو أن تكوني قد استفدت من ذلك درسا تنتفعين به في مستقبل حياتك، وأنه يجب الحذر من التساهل في التعامل مع الأجنبي، وتمكينه من الخلوة ونحو ذلك مما يؤدي للفتنة، وأنه قد يكون بابا إلى الشر أعظم من جهة من قد يؤمن شره، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت.

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: فمعناه أن الخوف منه أكثر من غيره، والشر يتوقع منه، والفتنة أكثر، لتمكنه من الوصول إلى المرأة والخلوة من غير أن ينكر عليه، بخلاف الأجنبي، والمراد بالحمو هنا: أقارب الزوج غير أبائه وأبنائه. اهـ.
واعلمي أن المسلم مهما بلغ من درجة في الإيمان، فذلك لا يعني أنه لا يبتلى، فقد يكون أعظم عرضة لذلك ليمتحن صدقه، وقد يتسلط عليه الشيطان أكثر من تسلطه على غيره، ويمكن أن يقع في منكرات عظيمة، وقد وقع نحو هذا من أفاضل الناس في العهد النبوي، ومن ذلك ماعز والغامدية -رضي الله عنهما- فقد وقعا في الزنا، وأقيم عليهما حد الرجم.

وإن كنت قلت ما قلت اعتراضا على الرب تبارك وتعالى، فتوبي من ذلك، نعني بهذا قولك: ( ولماذا تركني وربي وخذلني، بعد ما كنت في معية الله).
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني