الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حجية القياس ووجه ذم بعض السلف له

السؤال

ما قولكم يا شيخ في ما يقوله الشيعة في الحوار الذي دار بين إمامهم جعفر الصادق وأبي حنيفة وتحريمه للقياس عندما سأل جعفر أبا حنيفة أيهما أنجس البول أم المني، فقال أبو حنيفة البول، فقال جعفر الصادق لما أمر الله بالاغتسال من المني ولم يأمر بالغسل من البول رغم نجاسته، ما قولكم وبقية الحوار، وأرجو إجابة شافية؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد بينا حجية القياس في الفتوى رقم: 16732، والفتوى رقم: 59676 وقد ناقشنا فيهما بعض ما دار في هذا الحوار، وقد قاس النبي صلى الله عليه وسلم وقاس الصحابة بعده، وقد ورد ذم القياس عن بعض السلف قبل جعفر الصادق منهم الحسن وابن سيرين كما صححه ابن كثير عنهما، ونقل ابن القيم في إعلام الموقعين كثيراً من كلام السلف في ذلك، ولكن الأصوليين قد حملوا ما ورد عن ذمه عن السلف على ما كان منه فاسداً لمصادمته النص، كما قال صاحب المراقي: وما روي من ذمه فقد عني * به الذي على فساد قد بني.

ومن هذا قياس إبليس لعنه الله فهو مصادم لأمر الله له بالسجود، ويدل لضرورة القياس أن النصوص محدودة فإذا لم يأت في الموضوع آية أو خبر أو أثر، فقد لجأ معظم المجتهدين وأصحاب المذاهب إلى الاستنباط والقياس، وهما ثابتان مقبولان بنص القرآن والسنة، فقد قيل لأبي حنيفة: إنك تقيس، وأول من قاس إبليس. فأجاب بما حاصله: أن إبليس قاس ليعصي رغم وجود الأمر، وإني أقيس لأطيع لعدم وجود النص. وقد تكلم القرطبي والشوكاني والألوسي وابن كثير في تفاسيرهم على قياس إبليس وردوه وبينوا مصادمته للنص والعقل، وقد أطال الشيخ الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان في بيان حجية القياس فقال: اعلم أولا أن إلحاق المسكوت عنه بالمنطوق به بنفي الفارق بينهما لا يكاد ينكره إلا مكابر، وهو نوع من القياس الجلي، ويسميه الشافعي رحمه الله تعالى (القياس في معنى الأصل).. ومن أمثلة هذا النوع قوله تعالى: فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ. فإنه لا يشك عاقل في أن النهي عن التأفيف المنطوق به يدل على النهي عن الضرب المسكوت عنه، وقوله تعالى: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ. فإنه لا شك أيضاً في أن التصريح بالمؤاخذة بمثقال الذرة والإثابة عليه المنطوق به يدل على المؤاخذة والإثابة بمثقال الجبل المسكوت عنه، وقوله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ. لا شك في أنه يدل على أن شهادة أربعة عدول مقبولة وإن كانت شهادة الأربعة مسكوتاً عنها، ونهيه صلى الله عليه وسلم عن التضحية بالعوراء يدل على النهي عن التضحية بالعمياء، مع أن ذلك مسكوت عنه، وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى. لا شك في أنه يدل على منع إحراق مال اليتيم وإغراقه، لأن الجميع إتلاف له بغير حق، وقوله صلى الله عليه وسلم: من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل، فأعطي شركاؤه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق. يدل على أن من أعتق شركا له في أمة فحكمه كذلك لما عرف من استقراء الشرع أن الذكورة والأنوثة بالنسبة إلى العتق وصفان طرديان لا تأثير لهما في أحكام العتق وإن كانا غير طرديين في غير العتق كالشهادة والميراث وغيرهما. انتهى.

وقد ذكر شيخ الإسلام في منهاج السنة أن في الشيعة من يقول بالقياس كالزيدية، فصار النزاع فيه بين الشيعة كما هو بين أهل السنة والجماعة.

هذا وليعلم أن جعفر بن محمد إمام من أهل السنة، وقد روى عنه كبار علمائهم منهم أبو حنيفة ومالك وغيرهم، وكان هو وأبوه يقران إمامه أبي بكر وعمر ويتبرآن ممن تبرأ منهما، فقد نقل الذهبي في سير أعلام النبلاء عن محمد بن فضيل عن سالم بن أبي حفصة قال: سألت أبا جعفر وابنه جعفراً عن أبي بكر وعمر، فقال: يا سالم تولهما وابرأ من عدوهما فإنهما كانا إمامي هدى.

وروى إسحاق الأزرق عن بسام الصيرفي قال: سألت أبا جعفر عن أبي بكر وعمر، فقال: والله إني لأتولهما وأستغفر لهما وما أدركت أحداً من أهل بيتي إلا وهو يتولاهما. انتهى.

وقال الذهبي أيضاً: كتب إلى عبد المنعم بن يحيى الزهري وطائفة قالوا: أنبأنا داود بن أحمد أنبأنا محمد بن عمر القاضي أنبأنا عبد الصمد بن علي أنبأنا أبو الحسن الدارقطني حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل الأدمي حدثنا محمد بن الحسين الحنيني حدثنا مخلد بن أبي قريش الطحان حدثنا عبد الجبار بن العباس الهمداني أن جعفر بن محمد أتاهم وهم يريدون أن يرتحلوا من المدينة فقال إنكم إن شاء الله من صالحي أهل مصركم فأبلغوهم عني: من زعم أني إمام معصوم مفترض الطاعة فأنا منه بريء، ومن زعم أني أبرأ من أبي بكر وعمر فأنا منه بريء.

وبه عن الدارقطني حدثنا إسماعيل الصفار حدثنا أبو يحيى جعفر بن محمد الرازي حدثنا علي بن محمد الطنافسي حدثنا حنان بن سدير سمعت جعفر بن محمد وسئل عن أبي بكر وعمر فقال: إنك تسألني عن رجلين قد أكلا من ثمار الجنة.

وبه حدثنا الحسين بن إسماعيل حدثنا محمود بن خداش حدثنا أسباط بن محمد حدثنا عمرو بن قيس الملائي سمعت جعفر بن محمد يقول برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر.

قال الذهبي: قلت هذا القول متواتر عن جعفر الصادق وأشهد بالله إنه لبار في قوله غير منافق لأحد...

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني