الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إرشادات نافعة تطرد الوساوس

السؤال

أنا فتاة عمري الآن 24 سنة وأنا في ال16 من عمري قررت أن ألتزم وأترك سماع الأغاني وبدأت أحافظ على صلاتي وبعدها بدأت المشاكل فقد انهالت علي أفكار و وساوس بالذات الإلهية وأشياء كفر ولكني مع ذلك كنت أزيد طاعة لله وأصابتني أمراض شتى وكانت حالتي النفسية في أصعب حال جاء شيخ وقرأ علي وقال إن بي سحرا وسألته عن الوساوس فأجابني إني لا أحاسب أبدا وأن أستعيذ بالله ولم أخبر أحدا بما أفكر إلا أني مرة سألت زوجة جدي فقالت إن هذا حرام ولا يجوز وهذا كفر فازدادت حالتي سوءا وبقيت على هذا الحال أحيانا أفكر وأحيانا أكون في غاية الطمأنينة وعداك عن الأمراض التي كانت تصيبي فلم أكن أهتم لها أبدا بقدر انشغالي بمحاربة الوسواس وبقيت على هذا الحال حتى قبل 6 شهور من الآن ذهبت إلى شيخ ثقة يقرأ القرآن فعندما قرأ علي وجد أن الذي في هو حسد شيطاني (حسد طاعة) وهم سحره الزوج والزوجة وست شياطين استطاع أن يحرق الجميع ما عدا الشيطان الأكبر وهو الشيطان المسؤل عن الوسواس بقيت أتعالج مدة15 يوما فقال لي الشيخ إن الأعمار بيد الله وأنه إذا أراد لهذا الشيطان أن يموت أو يخرج فكله بإرادته وبقيت بعض الوساوس ولكن أخف من قبل ولكن قبل أسبوع قررت ان ألبس الخمار وبدأت أحافظ على صلاة الضحى وقيام الليل ولو ركعتين وبدأت الوساوس تزداد وساوس سيئة بالله جل وعلا وأنا والله أحاول بكل ما أستطيع من قوه أن الغي هذه الوساوس وأن أقلبها على الشيطان ولكن تستاء حالتي النفسية عندما أفكر أن هذا قد يكون غضبا من الله فالأفكار أعوذ بالله منها لا أطيقها أبدا وأنا الآن في حالة صراع دائم والحمد لله لا أقطع فرضا أبدا وأحاسب نفسي دائما وأحاول أن أحافظ على النوافل ما استطعت وأن أبر أمي وأبي ولا أحمل أي حقد لأحد ولا أسمع الأغاني ولا أحضر الحفلات ما استطعت والحمد لله لا أغتاب احدا وأحاول أن التزم بالقران والسنة بكل شيء وأحب ديني أكثر من نفسي و القرآن أحبه كثيرا وأقرا كل يوم جزءا وسورة البقرة ويس والدخان وسور متفرقة أحبه كثيرا ومع هذا أتخيل أني أضعه في أماكن نجسة والله إني أحب القرآن أكثر من نفسي والآن أعاني من وجع و قبض في قلبي وأتاثر بآيات معينة وأتضايق قليلا عند سماع القرآن بالرغم أني أسمعه دائما و يقول لي الشيخ إنما هذا ابتلاء وعليك أن تصبري حتى لو ذهب الشيطان يبقى القرين عدوا لي والله فقط لو اعلم أن الله راض عني سوف أرتاح وأطمئن وأخاف أن أكون أحاسب من هذه الوساوس والله إني أستحي من الله جل وعلا ولكن ليس بيدي حيلة أحافظ على الأذكار والأدعية ودائما أبكي كثيرا لأني لا أريد من هذه الدنيا إلا رضى الله تعالى فقط والله شهيد علي وإني أخاف الله في أي عمل أقوم به فماذا أفعل لا أريد أن يقودني هذا إلى الكفر أو الجنون والعياذ بالله وأدعو الله أن يحميني من هذه الأشياء أحيانا أشعر بطمأنينة ليس لها مثيل وأحيانا لا تسعني هذه الأرض وأنا أرفض الشباب الذين يتقدمون لخطبتي من أجل هذا الأمر فلا أستطيع أن أخبرهم بالأمر لأنهم لن يفهموه ولا أريد أن أظلمهم معي وأنا هكذا فماذا أفعل أرشدوني جزاكم الله خيرا صاحبتي كانت معها هذه الحالة ووجدت من يساعدها من أهلها أما أنا مثلما قلت يعتبرون أن هذا الأمر خطير ويزيدون حالتي سوءا فماذا أفعل أفيدوني ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإننا نسأل الله تعالى أن يعافيك من كل مكروه، وبخصوص ما ذكرت، فربما كان ناتجا عن عين حاسد أصابتك، وشأن العين ثابت في القرآن والسنة. وربما كان مجرد وساوس من الشيطان، وعليه نقول: عليك أن تعلمي جيدا وتعي ما يلي:

أولا: إن هذه الوساوس تصيب المسلم كثيرا فقد اعترت بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سألوه قائلين: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به. قال: "وقد وجدتموه؟" قالوا: نعم، قال: "ذلك صريح الإيمان" رواه مسلم.

وفي بعض الروايات قالوا: لأن يكون أحدنا حممة أحب إليه من أن يتكلم بها.

وفي بعض روايات الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة.

ثانيا: إن هناك فرقاً بين وساوس الشيطان التي تخطر على قلب العبد وهي غير مؤثرة في إيمانه، وبين الشك والريب الذي يذهب باليقين ويضر بالإيمان، وانظري تفصيل ذلك في الفتوى رقم:56097، وما تفرع عنها.

ثالثا: إن الشيطان حريص على الكيد لأهل الإيمان بالوسوسة لهم والتلبيس عليهم، قال الله تعالى حاكياً قول إبليس اللعين: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ* ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ {الأعراف:16-17}. فلا تستسلمي له، وقولي في نفسك: أنا بإيماني أقوى منك، واستحضري دوما قوله تعالى: إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا {النساء:76}.

رابعا: إن ما أصابك ابتلاء من الله، وإنما يبتلى المرء عى قدر دينه ؛ كما في صحيح ابن حبان عن سعد، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الناس أشد بلاء ؟ قال: الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الناس على قدر دينهم، فمن ثخن دينه اشتد بلاؤه، ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه، وإن الرجل ليصيبه البلاء حتى يمشي في الناس ما عليه خطيئة . فاصبري وأبشري.

خامسا: إنه لا يرفع البلاء ولا يدفع المصاب إلا الله سبحانه بما شرع من أسباب، فاعرفي هذه الأسباب لتعملي بها.

سادسا: إن علاجك سهل ويسير إن شاء الله، وما جعل الله داء إلا جعل له شفاء، وعليك لعلاج هذه الوساوس اتباع ما يلي:

1- الاستعاذة بالله تعالى من كيد الشيطان ؛ فإذا أحسست بشيء منها فبادري بالاستعاذة بالله رب كل شيء ومليكه القادر القوي القاهر فوق عباده واثقة في تأييده ونصره لعباده المؤمنين.

فإذا فعلت فلن يضرك مثقال ذرة من هذا الكيد، بل ستدخلين في مدح رسول الله وشهادته لك بصريح الإيمان، وإنما أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على صاحب هذه الحال بالإيمان؛ لأن ذلك دليل على أن الشيطان قد أيس أن يضله، ويزيغه، فرجع إلى الوسوسة، وهو مع ذلك لم يستجب له.

فهذا هو الواجب الأول في مثل هذا المقام أن تقولي: آمنت بالله وبرسوله، وتطردي تلك الخواطر عن نفسك ولا تستسلمي لها، وأن تستعيذي بالله من الشيطان الرجيم. وأن يكون قلبك قوياً.

2- الإكثار من ذكر الله فإنه سبب لانشراح الصدر وطمأنينة الناس، قال الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28}.

والمواظبة على أذكار الصباح والمساء والنوم والطعام والدخول والخروج، فإن الذكر هو الحصن الحصين الذي يهرب منه الشيطان.

3- الإكثار من تلاوة القرآن. وخاصة سورة البقرة فإنها يفر منها الشيطان.، ويشرع كذلك قراءة آيات من القرآن كآية الكرسي، والمعوذات على ماء تشربينه، وتغتسلين به.

4- ينبغي أن تكثري من الطاعة والعبادة، صلاة وصوماً ودعاء وصدقة، فأكثري من دعاء الله جل وتعالى أن يهديك وأن يشرح صدرك، ويلهمك رشدك، ويكفيك شر الشيطان وشر نفسك، وأن يطهر قلبك من النفاق، وأن يقوي إيمانك ويرزقك الخشوع في الصلاة، وتحري في دعائك أوقات الإجابة كثلث الليل الآخر، وبين الأذان والإقامة، وأثناء السجود. وتذكري قوله تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ {النمل:62} وقول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ". رواه الطبراني وقال الألباني: حسن لغيره. انظري الفتوى رقم: 8759.

5-عليك بتطهير بيتك من سائر أنواع المعاصي، فإنها تجلب الشياطين وتنفر الملائكة، فيرتفع عن البيت وأهله حفظ الله وعنايته، ويصبح من فيه عرضة لتخبيل الشياطين. وهذا كثيراً ما يغفل عنه، وهو من أعظم أسباب البلاء بهذه الأمراض.

6- يبنغي أن تجالسي الصالحات أو تشغلي نفسك بما يفيدك وينفعك.

7- لا مانع من أن تعرضي نفسك على من يوثق بدينه وورعه من العارفين بالرقية الشرعية، مع الحذر كل الحذر من كل دجال مشعوذ، والحذر كل الحذر من أن يختلي بك المعالج أو القارئ عليك، وإن أمكن أن تكون امرأة صالحة فهو أحسن، كما يحسن أن ترقي نفسك بين الحين والآخر. وراجعي أيضاً الفتوى رقم:16790، والفتوى رقم: 29559.

8- لا ينبغي أن ترفضي من يتقدم لخطبتك لهذا السبب، بل قد يكون ارتباطك بزوج عونا لك على الخروج مما تجدين ؛ لأنه سيشغل جزءا كبيرا من وقتك وتفكيرك وعواطفك فيسهم ذلك بإذن الله في علاجك.

وأخيراً نسأل الله تعالى أن يفرج همك ويشرح صدرك، ويمنَّ عليك بالشفاء العاجل، ويوفقك لما يحب ويرضى، وراجعي أيضا الفتوى رقم:23914، والفتوى رقم:52270، والفتوى رقم:54711، 51601، 48325.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني