الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ

السؤال

ما معنى قوله تعالى (أم يحسدون الناس...) فهل المراد بها آل البيت عليهم السلام وحدهم ومن الحاسد؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الحاسدين في قوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ {النساء:54}، هم اليهود، وأما المحسود فقيل هو النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وقيل: هو والعرب. وروي عن ابن عباس بسند ضعيف أن المراد آل البيت، قال الجصاص في تفسيره: قوله تعالى: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ. روي عن ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي وعكرمة إن المراد بالناس ههنا هو النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وقال قتادة: العرب، وقال آخرون: النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهذا أولى؛ لأن أول الخطاب في ذكر اليهود، وقد كانوا قبل ذلك يقرؤون في كتبهم مبعث النبي صلى الله عليه وسلم وصفته وحال نبوته، وكانوا يوعدون العرب بالقتل عند مبعثه لأنهم زعموا أنهم لا يتبعونه، وكانوا يظنون أنه يكون من بني إسرائيل، فلما بعثه الله تعالى من ولد إسماعيل حسدوا العرب وأظهروا الكفر به وجحدوا ما عرفوه، قال الله تعالى: وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ. وقال الله تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ. فكانت عداوة للعرب ظاهرة بعد مبعث النبي صلى الله عليه وسلم حسداً منهم لهم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم مبعوثاً منهم. فالأظهر من معنى الآية حسدهم للنبي صلى الله عليه وسلم وللعرب. انتهى.

وقال البغوي في تفسيره: أم يحسدون الناس، يعني: اليهود، ويحسدون الناس: قال قتادة: المراد بالناس العرب حسدهم اليهود على النبوة، وما أكرمهم الله تعالى بمحمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: أراد محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه. وقال ابن عباس والحسن ومجاهد وجماعة: المراد بالناس رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، حسدوه على ما أحل الله له من النساء، وقالوا: ما له هم إلا النكاح، وهو المراد من قوله: على ما آتاهم من فضله. وقيل: حسدوه على النبوة وهو المراد من الفضل المذكور في الآية، فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة، أراد بآل إبراهيم: داود وسليمان، وبالكتاب: ما أنزل الله عليهم وبالحكمة النبوة، وآتيناهم ملكاً عظيماً، فمن فسر الفضل بكثرة النساء وفسر الملك العظيم في حق داود وسليمان عليهما السلام بكثرة النساء، فإنه كان لسليمان ألف امرأة ثلاثمائة حرة وسبعمائة سرية، وكان لداود مائة امرأة، ولم يكن يومئذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تسع نسوة، فلما قال لهم ذلك سكتوا. انتهى.

وقد ذكر السيوطي عدة آثار عن السلف في الدر المنثور فقال: أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: أم يحسدون الناس. قال: هم يهود. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: قال أهل الكتاب: زعم محمد أنه أوتي ما أوتي في تواضع وله تسع نسوة وليس همه إلا النكاح، فأي ملك أفضل من هذا. فأنزل الله هذه الآية {أم يحسدون الناس} إلى قوله {ملكاً عظيماً} يعني ملك سليمان... وأخرج ابن المنذر عن عطية قال: قالت يهود للمسلمين: تزعمون أن محمداً أوتي الدين في تواضع وعنده تسع نسوة، أي ملك أعظم من هذا؟ فأنزل الله {أم يحسدون الناس...} الآية. وأخرج ابن جرير عن الضحاك. نحوه. وأخرج ابن المنذر والطبراني من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله {أم يحسدون الناس} قال: نحن الناس دون الناس.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {أم يحسدون الناس} قال: الناس في هذا الموضع النبي صلى الله عليه وسلم خاصة. وأخرج ابن جرير عن مجاهد {أم يحسدون الناس} قال: محمد... وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن أبي مالك في الآية قال: يحسدون محمداً حين لم يكن منهم وكفروا به.

وأخرج ابن جرير عن قتادة في الآية (أم يحسدون الناس} قال: أولئك اليهود، حسدوا هذا الحي في العرب {على ما آتاهم الله من فضله}، بعث الله منهم نبياً فحسدوهم على ذلك. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج (على ما آتاهم الله من فضله) قال: النبوة. انتهى.

وقال الهيثمي في المجمع: قوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ}، قال ابن عباس: نحن الناس دون الناس. رواه الطبراني وفيه يحيى الحماني وهو ضعيف.

وبهذا يعلم الاتفاق على أن المراد بالحاسد اليهود، وأما المحسود فهل هو الرسول وحده أو هو والعرب أو هو والآل على الرواية المروية عن ابن عباس بسند ضعيف.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني