الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التسامح والعفو عن الصديقة المسيئة

السؤال

جاءتنا زميلة جديدة إلى العمل وهي ذات واسطة(مثل ما يقولون) وحاولت أخذ مكاني رغم أن شهادتها مختلفة ولا تعرف إنجاز العمل الذي أقوم به، المزعج في الأمر أنها كانت تدعي محبتي أمام الآخرين وفي الخفاء تسعى لأخذ مكاني ومكانتي، وتسيء إلي بشكل أشعر به أنا ولا يراه من حولنا بل إنها تقول للآخرين إنها تحاول أن تصبر على ردود أفعالي (الناتجة عن إساءتها إلي وادعائها إتقان عملي لتأخذ مكاني وهي لا تتقنه بل تحاول أن تتعلم مني من خلال صداقتها المزعومة). سؤالي: حالياً تحسن الوضع قليلاً فهي الآن ذات مكانة جيدة، وبعدت عني قليلاً لذلك قلت في نفسي أن التسامح شيء رائع يجب أن أقوم به لكن المشكلة أنني لا أستطيع أن أنسى ما كان منها لا سيما أنها تقوم أحياناً بأفعال إما مشابهة للماضي أو أفعال تذكرني بما بدر منها سابقاً .هل عدم نسياني للماضي ومحاولتي الابتعاد عنها وتجنب العمل معها قدر الإمكان مناف للتسامح الذي أسعى إليه؟

الإجابــة

خلاصة الفتوى:

الشيطان ينزغ بين المؤمنين للوقيعة بينهم، وأكمل المؤمنين أحسنهم أخلاقا ومن أعظم الأخلاق العفو والمسامحة والتماس العذر لمن أخطأ في حقك.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاعلمي أن من دأب الشيطان النزغ بين المؤمنين ومحاولة الوقيعة والإفساد بينهم كما قال تعالى: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا{ الإسراء:53}

وروى مسلم عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ .

وَمَعْنَاهُ كما قال النووي: أَيِس أَنْ يَعْبُدهُ أَهْل جَزِيرَة الْعَرَب، وَلَكِنَّهُ سَعَى فِي التَّحْرِيش بَيْنهمْ بِالْخُصُومَاتِ وَالشَّحْنَاء وَالْحُرُوب وَالْفِتَن وَنَحْوهَا.

وينبغي للمسلم أن يتحمل ما قد يلقاه من إخوانه من أخطاء في حقه وأن يقيل عثراتهم وأن يستعمل معهم الصفح والغفران وأن يتسامح معهم ما أمكنه، وله بذلك الثواب العظيم والأجر الجزيل .

قال تعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43}.

وقال تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:35،34}

فتسامحك معها وتناسيك ما كان منها دال على خلق عظيم ، وليس شيء أثقل في الميزان يوم القيامة من حسن الخلق .

فاجتهدي في نسيان ما كان منها وحاولي ان تلتمسي لها عذرا فذلك هو الأكمل والأفضل، قال تعالى : وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ { النور: ٢٢}.

وإذا كان تباعدك عنها يذهب عنك ما تجدينه عليها ويصرف عنك الغيظ والحنق عليها فلك ذلك دفعا لأعظم الضررين، مع مراعاة عدم هجرها بالكلية لأن هجر المسلم فوق ثلاثة أيام محرم.

وأما كون ذلك التباعد أو عدم مقدرتك على نسيان ما كان يتنافى مع التسامح المطلوب فذلك هو الظاهر، لكنه غير لازم بل إذا نويت بالتباعد أن يعينك ذلك على النسيان ليكون ذلك عونا على أن تتحسن العلاقة بينكما فإن ذلك لا يتنافى مع التسامح بل هو سبب إليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني