الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

هناك رجل كافر يريد الدخول في الإسلام وعليه كفارات كثيرة من حلف بالله، فهل نلزمه بدفع الكفارة أم لا نلزمه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فاليمين تنعقد من الكافر عند بعض أهل العلم كالحنابلة والشافعية وتلزمه الكفارة إذا حنث سواء كان حنثه حال كفره أو إسلامه خلافاً للحنفية وأصحاب الرأي القائلين بعدم انعقاد يمينه أصلاً، قال ابن قدامة في المغني: وتصح اليمين من الكافر، وتلزمه الكفارة بالحنث، سواء حنث في كفره أو بعد إسلامه. وبه قال الشافعي، وأبو ثور، وابن المنذر إذا حنث بعد إسلامه، وقال الثوري وأصحاب الرأي: لا ينعقد يمينه، لأنه ليس بمكلف. ولنا (أن عمر رضي الله عنه نذر في الجاهلية أن يعتكف في المسجد الحرام، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذره)، ولأنه من أهل القسم، بدليل قوله تعالى: فيقسمان بالله. ولا نسلم أنه غير مكلف، وإنما تسقط عنه العبادات بإسلامه، لأن الإسلام يجب ما قبله، فأما ما يلزمه بنذره أو يمينه فينبغي أن يبقى حكمه في حقه، لأنه من جهته. انتهى.

وقال الكاساني في بدائع الصنائع متحدثاً عن شروط اليمين: ومنها: أن يكون مسلماً فلا يصح يمين الكفار وهذا عندنا، وعند الشافعي ليس بشرط حتى لو حلف الكافر على يمين ثم أسلم فحنث فلا كفارة عليه عندنا، وعنده تجب الكفارة إلا أنه إذا حنث في حال الكفر لا تجب عليه الكفارة بالصوم بل بالمال. انتهى.

وكفارة اليمين من الكافر حال كفره لا تجزئ إلا بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، ولا يجزئ بالصيام ولا بالإعتاق إلا إذا أسلم له عبد أو ورث عبداً مسلماً، وإذا أسلم وعليه كفارات كثيرة عن الأيمان بالله تعالى فلا تسقط تلك الكفارات عند من قال بانعقاد يمينه لكن يجزئه -بعد إسلامه- أن يكفر بالعتق مطلقاً، أو بالصيام عند العجز عن جميع أنواع الكفارة الثلاثة وهي: العتق والإطعام والكسوة...

قال ابن قدامة في المغني أيضاً: والكفارة في حق العبد والحر، والرجل والمرأة والمسلم والكافر سواء لأن الله تعالى ذكر الكفارة بلفظ عام في جميع المخاطبين فدخل الكل في عمومه؛ إلا أن الكافر لا يصح منه التكفير بالصيام، لأنه عبادة وليس هو من أهلها، ولا بالإعتاق، لأن من شرطه الإيمان في الرقبة، ولا يجوز لكافر شراء مسلم إلا أن يتفق إسلامه في يديه، أو يرث مسلماً فيعتقه فيصح إعتاقه، وإن لم يتفق ذلك فتكفيره بالإطعام أو الكسوة، فإذا كفر به ثم أسلم لم يلزمه إعادة التكفير، وإن أسلم قبل التكفير، كفر بما يجب عليه في تلك الحال، من إعتاق أو إطعام أو كسوة أو صيام، ويحتمل على قول الخرقي ألا يجزئه الصيام، لأنه إنما يكفر بما وجب عليه حين الحنث، ولم يكن الصيام مما وجب عليه. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني