الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إثم من خدع زوجته وضيعها وضيع عياله

السؤال

تزوجت لتحقيق غرض خاص ونجحت في الزواج من فتاة تتصف بكل الصفات التي يتمناها أي رجل في زوجته ولأن أهلها أناس طيبون استطعت أن أخدعهم وأوهمهم أنني الشاب التقي المتدين فلم يفكروا في عائلتي المتواضعة جدا وقالوا المهم أخلاقه الطيبة وبمجرد زواجي وتحقيق ذلك الهدف الذي لا يعلمه إلا الله بحثت عن عقد عمل وسافرت بعد عامين وتركت تلك الزوجة الصغيرة الجميلة لتواجه وحدها الحياة ومسؤولية تربية طفلين وبعيدا عشت حياتي كما يحلو لأي رجل وزوجتي صابرة وتصدق أكاذيبي وبعد مرور20 عاما زوجتي الآن في حالة نفسية سيئة وتتهمني بالخداع وأنني ضيعت سنوات عمرها بدون أن تستمتع كأي زوجة وسؤالي هل أنا مذنب في حقها مع العلم أنني وفرت لها ولأولادها الحياة الكريمة والأموال أفيدوني ولكم الشكر.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أنك مذنب فيما صنعت، والواجب عليك أن تتوب إلى الله، واعلم أن في الذي أتيته منكرين كلاهما أبشع من الآخر، الأول: تشبعك بما ليس فيك وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلابِسِ ثَوْبَي زُورٍ. واستدل به ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر في عده الرياء من الكبائر.

وجاء في شرح النووي على مسلم: قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ الْمُتَكَثِّر بِمَا لَيْسَ عِنْده بِأَنْ يَظْهَر أَنَّ عِنْده مَا لَيْسَ عِنْده، يَتَكَثَّر بِذَلِكَ عِنْد النَّاس، وَيَتَزَيَّن بِالْبَاطِلِ، فَهُوَ مَذْمُوم كَمَا يُذَمّ مَنْ لَبِسَ ثَوْبَيْ زُور.

وقد عد الذهبي وابن حجر في الكبائر المكر والخديعة ؛ لما رواه َالْبَيْهَقِيُّ مرفوعا: الْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ فِي النَّارِ. صححه الألباني في السلسلة الصحيحة وقال: أورده السيوطي في الجامع الصغير بزيادة: والخيانة. اهــ

وقال السفاريني في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب: الْخَدِيعَةُ لَا تَلِيقُ بِالْمُؤْمِنِينَ، إذْ هِيَ تُنَافِي النُّصْحَ وَسَلَامَةَ الصُّدُورِ وَالْمَوَدَّةَ وَالْمَحَبَّةَ، وَتُنْبِتُ الْإِثْمَ وَالْبَغْيَ وَالْغِلَّ وَالْحَسَدَ وَالْحِقْدَ. اهـ.

والثاني: ظلمك لزوجتك بهجرها تلك الفترة ومنعها حقها كزوجة بغير مبرر إلا لهوى في نفسك وغرض شخصي، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف التي أمرنا بها. كما أنه لا يغني عن حق الزوجة وعن تربية الأولاد توفير الأموال ؛ فإن حقهم أعظم من ذلك.

فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت. حسنه الألباني وقال: رواه أبو داود والنسائي والحاكم إلا أنه قال: من يعول. وقال صحيح الإسناد. اهـ.

قال أبو طالب المكي في قوت القلوب: وروينا في الخبر: لا يلقى اللّه عبد بذنب أعظم من جهالة أهله، والخبر المشهور: كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول، وروي أنّ الآبق من عياله كالعبد الآبق من سيده، لا يقبل له صلاة ولا صيام حتى يرجع إليهم....، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم راع ٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته. اهـ

وأخيرا ننصحك بالعمل على استرضاء زوجك بما تستطيع وطلب عفوها ومسامحتها وتعويضها وأولادها عن تلك الفترة بالإحسان والتودد، عسى الله أن يجعل بينكم المودة والرحمة، والله قدير والله غفور رحيم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني