الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الاقتراض بالربا لإكمال الدراسة وللعمل بالخارج

السؤال

أنا شاب عمري 24 سنة أدرس على نفقتي الخاصة, وكنت أقوم بتأجيل الجيش كوني أدرس ولكن نتيجة تغير القوانين, فإن هذه السنة هي آخر مرة أؤجل فيها وفي حال ذهابي للجيش لن يكون بمقدوري إتمام دراستي (التي هي الضمانة الوحيدة لمستقبلي كوني لا أجيد مهنة أخرى)، حيث إن والدي غير قادر على أن يؤمن لي مصاريف الدراسة + مصاريفي أثناء تأدية الخدمة, كون الذي يخدم يحصل على تعويض مالي شهري يكفيه لمدة أسبوع فقط (على أبعد تقدير) وأيضاً هناك خشية لدي بسبب نظام الجيش بأنه لن يكون بمقدوري تأدية الفرائض كالصلاة والصوم ناهيك عن احتمال سماع شتم الذات الإلهية دون أن يكون بمقدورك الاعتراض أو ترك المكان الذي تشتم فيه الذات الإلهية! ولكي أتابع دراستي فالحل هو السفر للعمل بالخارج ومتابعة الدراسة ولكي أسافر لا بد لي من توفير مبلغ من المال لأقوم ببعض الدورات + مصاريف السفر وعليه قررت الاستدانة فلم أجد من يقرضني المال كما أن والدتي تملك سيارة وعرضت علي بيعها وإقراضي ثمنها وعندما استشارت والدي من باب الأصول رفض, وحصلت بينهما خلافات خشيت منها أن تتطور فقلت لأمي بأن تعدل عن الفكرة كي لا يحصل بينهما (أبي وأمي) شيء لا أحبه (وكون العلاقة بالأصل متوترة) وقد عرض علي شخص أن يقرضني المال ولكن بفائدة، فهل موقفي هذا تنطبق عليه القاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)؟ ولأني أعرف بأن الإنسان يظن بأن ظروفه هي الأصعب وبالتالي يفسر لنفسه بأن ذلك ضرورة فجئت إليكم أن تفيدوني بما أفادكم الله؟ ولكم جزيل الشكر والثواب إن شاء الله.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الربا أحد الموبقات السبع، وقد توعد الله سبحانه وتعالى المتعامل به بحرب منه، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ {البقرة:278-279}، وجاء لعن من له علاقة به على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن جابر قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء. رواه مسلم. ولا يحل الربا إلا في حالة الضرورة كالخوف على النفس من الهلاك أو حصول مشقة يصعب تحملها.

وبناء على هذا فإن إكمال الدراسة والعمل في الخارج ليسا من الضرورات التي تبيح الربا، وبالتالي فلا تندرج حالتك تحت قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات)، وبإمكانك أن تقنع الشخص الذي يريد أن يقرضك بفائدة بحرمة ذلك شرعاً، وبالتعامل معه عن طريق السلم مثلاً بأن يعطيك المبلغ المذكور على أن ترد إليه بضاعة محددة النوع والصفات بعد أجل محدد تتفقان عليه، أو عن طريق أمره بشراء بضاعة معينة ووعده بأن تشتريها منه مرابحة ثم تشتريها منه -إذا اشتراها وحازها- بعقد منفصل.. ثم تبيعها لغيره وهو ما يعرف بالتورق، ويمكنك أن تراجع في خطوات هذا النوع من العقود الفتويين التاليتين: 1608، 22172.

وإذا كان التدريب قد يعرضك لما ذكرت من سماع سب الله سبحانه وتعالى، وتأخير الصلاة عن وقتها وترك الصوم فالواجب عليك بذل الجهد -ما استطعت إلى ذلك سبيلاً- للتخلص منه، وإذا أجبرت على المشاركة فيه ووقع لك ما كنت تخشاه من تلك الأمور عندئذ يجوز لك أن تلجأ إلى الاقتراض بالربا إذا لم تجد غيره للتخلص من سماع سب الله وتأخير الصلاة عن وقتها وترك الصوم، ولا يجوز لك الأخذ بمقتضى الضرورة إلا بعد وقوعها بالفعل لأن ضوابط الأخذ بمقتضى الضرورة -كما ذكر العلماء- هي:

أولاً: أن تكون الضرورة قائمة لا منتظرة، فلا يجوز الاقتراض بالربا تحسباً لما قد يكون في المستقبل.

ثانياً: ألا يكون لدفع الضرورة وسيلة أخرى إلا مخالفة الأوامر والنواهي الشرعية، فلا يجوز الإقبال على القرض الربوي مع وجود البديل المشروع أو الأخف حرمة.

ثالثاً: يجب على المضطر مراعاة قدر الضرورة، لأن ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها، ولذلك قرر الفقهاء أنه لا يجوز للمضطر أن يأكل من الميتة إلا بما يسد رمقه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني