الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم إجبار الزوجة على الاستقالة من الوظيفة

السؤال

ملحوظة: زوجي قليل المحافظة علي الصلاة.
أنا متزوجة منذ ثلاثة أعوام، سعي زوجي لتعيننا معاً في وظيفة راتبها ضعيف (ينفق زوجي راتبي وراتبه في البيت). وقد بحثنا عن وظيفة أفضل وتم ترشيحنا لها. كانت هناك مشاكل كثيرة مع زوجي، فقضيت نصف فترة زواجي عند أهلي حيث غالباً ما كان زوجي يطردني. وقبل التحاقنا بالوظيفة الجديدة والتي راتبها كبير، حدثت العديد من المشكلات وكنت حاملا في طفلي الأول، فطلب مني عدم الالتحاق بالوظيفة الجديدة بسبب طول فترة العمل اليومي والتعامل مع الجمهور في تحصيل فواتير الهواتف. ولكن نصحني أهلي بالالتحاق بها لتأمين مستقبلي ولعدم استقرار حياتي الزوجية. فزوجي كثير التهديد لي بالطلاق. فأطعت زوجي في هذا الأمر وخالفت أهلي الذين هددوني بقطيعتي. وفي نفس الوقت، كنت في آخر أيام حملي ولأتفه الأسباب زجرني زوجي وضربني وطردني للتهرب من تكاليف الولادة. فالتجأت لأهلي الذين تحملوا تكاليف الولادة ونصحوني أن زوجي ليس له أمان لذا عليك قبول هذه الوظيفة وقبلت ذلك. ومرت ثلاثة شهور لم يسأل عني فيها زوجي إلا ليهددني بالطلاق بسبب التحاقي بهذه الوظيفة. تم صلحي علي زوجي وتم إرغامه على سداد تكاليف ولادتي. دائماً يقول أنا غير راض عن عملك فأنت عند خروجك يومياً لهذا العمل ترتكبي إثما بسبب ذلك (مع العلم أن راتبي يتم صرفه بالكامل في المنزل إلا اليسير منه). لذا فقد اقترحت عليه أخذ إجازة بدون راتب ولكنه يرفض ويصمم على أن أستقيل من العمل. وعند استقالتي فإني لا أضمن شره وطرده وسوء معاملته لي.
وسؤالي هو: أولاً: هل أتحمل من إثم لذلك؟ وهل أطيعه وأستقيل؟ ثانياً: لأنه كثير الحلف بالطلاق وما صدر منه سابقاً من كثرة الطرد وسوء المعاملة إزائي، فقد نصحني أهلي بتأخير الإنجاب منه مرة أخري، ولكنه رفض ذلك ومنعني من تناول وسيلة لمنع الحمل...هل أطيعه؟ أم أتناول الوسيلة رغماً عنه؟ أم أتناول تلك الوسيلة دون علمه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فيجب عليك أن تنصحي زوجك بالمداومة على الصلاة في أوقاتها، وأن تذكريه دائما بعظم أمر الصلاة ومكانتها من الدين، فإن هو استجاب فالحمد لله على ذلك، ونسأل الله أن يغفر له ما مضى، وأما إذا أعرض عن التذكرة واستمر على تضييعه للصلوات وعدم اهتمامه بها، فإنا ننصحك بطلب الطلاق منه، فلا يحل لك البقاء مع إنسان مضيع للصلاة, خصوصا أنه قد ذهب بعض أهل العلم إلى أن من ترك صلاة واحدة بغير عذر حتى يخرج وقتها فإنه يكفر بذلك. لقول النبي صلى الله عليه وسلم: بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة. رواه مسلم.

قال الإمام إسحاق بن راهويه: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة عمداً كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر. قال: وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس، والمغرب إلى طلوع الفجر.

ويجب عليك أيضا أن تذكريه بأن الحلف لا يكون إلا بالله سبحانه فلا يكون بطلاق ولا بغيره، قال صلى الله عليه وسلم: من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت. متفق عليه. قال الماوردي: لا يجوز لأحد أن يحلف أحدا بغير الله لا بطلاق ولا عتاق ولا نذر، وإذا حلف الحاكم أحدا بشيء من ذلك وجب عزله لجهله. والحلف بالطلاق مما يوجب الفسق، وقد عده بعض الفقهاء مما يوجب التفريق بين الرجل وامرأته، يقول ابن رشد في بداية المجتهد: لم يختلف المذهب - يعني المالكي - أن البكر إذا زوجها أبوها من شارب الخمر، وبالجملة من فاسق أن لها أن تمنع نفسها من النكاح، وينظر الحاكم بعد ذلك، فيفرق بينهما، وكذلك إن زوجها ممن ماله حرام، أو ممن هو كثير الحلف بالطلاق.

وأما بالنسبة للعمل فلا يجوز لك أن تعملي إلا بإذن زوجك، طالما أنك لم تشترطي عليه عند العقد الاستمرار في العمل، لأن طاعة الزوج واجبة فإذا أمرك بترك العمل فيجب عليك طاعته.

ولكن ليس له أن يجبرك على الاستقالة من العمل ؛ لأن هناك فرقا بين العمل حقيقة وبين أن تكوني مقيدة في عمل ولكنك لا تعملين ؛ لأن في خروجك إلى العمل تضييعا لحق الزوج إذ المرأة محتبسة لحق زوجها، وأما كونك مقيدة بعمل ما ولا تخرجين له فهذا لا يضر الزوج في شيء, وطاعة المرأة لزوجها إنما تكون فيما يرجع إلى النكاح وتوابعه كما قال ابن نجيم في" البحر الرائق شرح كنز الدقائق": المرأة لا يجب عليها طاعة الزوج في كل ما يأمر به إنما ذلك فيما يرجع إلى النكاح وتوابعه خصوصا إذا كان في أمره إضرارا بها. انتهى.

وأما بالنسبة لوسيلة منع الحمل، فإن كان منع الحمل لفترة معينة حتى يستبين بها الوضع الذي ستؤول إليه العلاقة بينك وبين زوجك فلا حرج في ذلك -إن شاء الله- بشرط رضا الزوج بذلك؛ إذ له الحق في الولد ما دامت العلاقة الزوجية قائمة، وفي هذه الحالة تأخذين بأسباب المنع التي ليس فيها كشف للعورة أو تأثير دائم على الإنجاب فتستعملين الحبوب أو الإبر أو العوازل المطاطية مثلا، وعليك أن تستشيري الطبيبة المسلمة في ذلك.

أما إذا لم يوافق الزوج فعليك بطاعته ولا يجوز لك أن تأخذيها رغما عنه ولا بدون علمه. علما بأن تكاليف المعيشة كلها ونفقتك وتوابعها كلها تجب على الزوج. ولو كنت عاملة ولك مال فلا يلزمك شرعا شيء من ذلك، إلا أن يشترط عليك شيئا من الراتب مقابل سماحه لك بالخروج فيجب عليك في هذه الحالة أن توفي بهذا الشرط؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم فيما أحل. رواه الطبراني. وللفائدة تراجع الفتاوى رقم: 10759، 46887، 53221.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني