الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مرض الشك يفسد العلاقة الزوجية

السؤال

لنا أخت كريمة تعاني مشكلة أسأل الله سبحانه وتعالى أن تكونوا سببا في معالجتها حيث تمت خطبتها وعقد القران وتحديد موعد الزفاف،إلا أنه وبعد مرور حوالي السنة على تلك الخطبة وقبل موعد الزفاف بفترة قصيرة جدا تبين أن الزوج المرتقب كثير الشك غير المبرر والذي من مظاهره كثرة تغيير رقم أختنا فيعمد إلى تغييره كل أسبوع على حسابه الخاص ثم إنه يشترك في خدمات تمنعها استقبال أي رقم غير رقمه عدا عن حرمانه لها من الخروج من المنزل على الإطلاق وهي تطيعه على ذلك وتصبر لأنها تعلم أنها ستؤجر على ذلك حتى وصل الموضوع إلى ادعائه وجود أرقام غريبة في هاتف أختنا وكلما طلبنا منه التريث للتحقق تراجع وأهمل الموضوع حتى وصل الموضوع لتأجيل الزفاف إلى غير إشعار علمأ بأنه بمراجعة والديه تبين أنه لديه عقدة الشك فعلا لأن والده في الماضي تزوج سكرتيرته كزوجة ثانية على والدته وهما الآن -أي والديه منفصلان -وهو في حالة مترددة بشدة فهو تارة يريد أن ترجع الأمور لمسارها ويعتذر عما بدر منه ثم ما يلبث أن يعيد فتح موضوع الأرقام الغريبة تارة أخرى مهددا بتعليق أختنا دون زواج أو طلاق ولما يئسنا من محاولة الإصلاح بينهما توجهنا للقضاء للفسخ والقضية الآن أمام المحكمة وهو ما زال على نفس التردد والشك حتى يومنا هذا فنحن من ناحية نرغب بالإصلاح بينهما ولكن وفي نفس الوقت نخشى أن نزوجهما فلا تستقيم العشرة بينهما فلا ندري ما الرأي الشرعي للموضوع هل نخاطر بتزويجهما أم نفرق بينهما علما بأن رأي أختنا الزوجة هو نفس الحيرة مع تأسفنا جميعا على فترة الخطوبة الطويلة التي لا يخفى عليكم تقلل من فرص الزواج في المجتمع مع ثقتنا التامة بأن الله سبحانه وتعالى هو المصرف والمقدر للأمورأما ما استجد قبل أيام إصراره على الإصلاح وهو يجهز لجمع عدد كبير من وجهاء العائلتين للموضوع فماذا تنصحوننا خصوصا وقد طرح أحد الإخوة أن يتم إعادة النكاح بعقد جديد وشروط جديدة وجعل العصمة بيدها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالغيرة في موضعها مظهر من مظاهر الرجولة الحقيقية، وفيها صيانة للأعراض، وحفظ للحرمات، وتعظيم لشعائر الله, وحفظ لحدوده، وهي مؤشرعلى قوة الإيمان ورسوخه في القلب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أحد أغير من الله عز وجل؛ لذلك حرم الفواحش ما ظهر وما بطن،. رواه البخاري ومسلم. وفى رواية: المؤمن يغار والله أشد غيرة. رواه البخاري ومسلم.

وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغير منه، والله أغير مني . رواه البخاري ومسلم.

ولكن إذا زادت الغيرة عن حدها كانت نقمة على الشخص وعلى من حوله، فكثير مما يسمى جرائم العرض والشرف قد ترتكب بسبب الشائعات، مما ترتب عليه إزهاق الأرواح في بعض الأحيان دون وجه حق بسبب الغيرة القاتلة، وحينئذ يخرج الأمر من نطاق المدح إلى نطاق الذم, ومن دائرة الخير إلى محيط الشر, ويصير هذا الأمر مما يبغضه الله جل وعلا, فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يكره الله؛ فأما ما يحب فالغيرة في الريبة، وأما ما يكره فالغيرة في غير ريبة. صححه الألباني.

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا ً يتخونهم ويطلب عثراتهم. رواه مسلم.

وبعض الأزواج مريض بمرض الشك المر الذي يحيل الحياة الزوجية إلى نكد لا يطاق, ويحول استقرار البيوت إلى بركان محموم, وهذا شر مستطير, وأذى كبير, فلا يصح أن يسيء الرجل الظن بزوجته، وليس له أن يسرف في تقصي كل حركاتها وسكناتها؛ فإن ذلك يفسد العلاقة الزوجية ويقطع ما أمر الله به أن يوصل.

وما ذكرته أيها السائل من حال هذا الزوج فهذا ولا شك خروج عن الحد وتجاوز للمدى في أمر الغيرة, وهذا يوقع الزوجة في الحرج والضيق، ولذا فإنا نقول: من الممكن أن يؤجل أمر البناء (الزفاف) فترة من الزمن ، وفي هذه الفترة يذكر الزوج بتقوى الله جل وعلا ويحذر من عاقبة الظلم والأذى الواقع على الزوجة من جراء تصرفاته, ثم مع ذلك من الممكن أن يعرض على الأطباء المتخصصين في ذلك فلعل الأمر بسبب حالة نفسية, فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم. رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني.

ونقول: إن أعظم دواء لهذا المرض هو الإعراض عنه وعدم الاستجابة لداعيه مع الاستعانة بالله جل وعلا وكثرة ذكره ودعائه أن يرفع البلوى ويكشف الغمة وهو سبحانه سميع مجيب.

فإذا تحسنت الأمور,وصلحت الأحوال -بعد هذه الفترة- فعندها تستطيعون إتمام البناء، وإن كانت الأخرى, فقد يكون الطلاق في هذه الحالة هو الحل الأمثل قبل أن تتعقد الأمور , ويحصل البناء , وتأتي أطفال تدفع ثمن هذا التنازع , والله سبحانه يقول: وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}

ثم نوصيكم بالاستخارة في جميع أموركم وفي كل خطوة تقدمون عليها.

وأما بالنسبة لنصيحة من نصحكم بأن يتم إعادة عقد النكاح واشتراط شروط جديدة، فهذا يفيد لأن العقد قد أبرم كما ذكرت ولا يمكن فسخه والتخلص من آثاره إلا عن طريق الزوج بطلاق، أو عن طريق القاضي إذا رأى ذلك. والشروط المقترحة في العقد الجديد لا تلزم الزوج قبل أن تحصل الفرقة من العقد الأول، وبالتالي فلا فائدة في هذا الاقتراح. على أن اشتراط المرأة كون الطلاق بيدها عند العقد فيه ما فيه مما هو مفصل في الفتوى رقم: 22854.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني