الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحلف بسورة من القرآن والمقصود بيمبن الصبر

السؤال

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف بسورة من القرآن فعليه بكل آية كفارة يمين صبر، فمن شاء بر ومن شاء فجر، فهل من يحلف بسورة تجب عليه بكل آية كفارة، إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة أو صيام ثلاثة أيام، وفي الحديث: فعليه بكل آية كفارة يمين صبر، ما هو يمين الصبر؟ وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فهذا الحديث رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن مجاهد، وعن الحسن مرسلاً، وكذا رواه البيهقي عن الحسن مرسلاً، والمرسل نوع من أنواع الضعيف لانقطاعه، ورواه إسحاق بن راهويه وعند الطبراني في مسند الشاميين: أخبرنا كلثوم بن محمد بن أبي سدرة أخبرنا عطاء بن أبي مسلم الخراساني عن أبي هريرة، فذكره مرفوعاً. وإسناده ضعيف، عطاء الخراساني صدوق، يهم كثيراً ويرسل ويدلس، كما في التقريب.. وكلثوم بن محمد بن أبي سدرة قال أبو حاتم: يتكلمون فيه، وقال ابن عدي: يحدث عن عطاء الخراساني بمراسيل وعن غيره مما لا يتابع عليه، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: يعتبر حديثه إذا روى عن غير عطاء الخراساني (اللسان). ورواه الطبراني من طريق ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن صفوان بن سليم عن مكحول عن أبي هريرة مرفوعاً.

وإسناده ضعيف لحال ابن لهيعة، ومنقطع فإن مكحولاً لم يسمع من أبي هريرة كما نص عليه البزار، وقد صح هذا المعنى من كلام ابن مسعود رضي الله عنه (كتاب التحجيل في تخريج ما لم يخرج في إرواء الغليل)، ومن المعلوم أن الأحكام الشرعية لا تثبت بالحديث الضعيف، فالراجح أن من حلف بالقرآن أو بسورة منه، أنه لا تلزمه إلا كفارة واحدة، قال ابن قدامة: من حلف بحق القرآن لزمته بكل آية كفارة يمين، نص على هذا أحمد، وهو قول ابن مسعود والحسن. وعنه -أي أحمد- أن الواجب كفارة واحدة، وهو قياس مذهب الشافعي وأبي عبيد، لأن الحلف بصفات الله كلها وتكرر اليمين بالله سبحانه لا يوجب أكثر من كفارة واحدة، فالحلف بصفة واحدة من صفاته أولى أن تجزئه كفارة واحدة... ويحتمل أن كلام أحمد في كل آية كفارة على الاستحباب لمن قدر عليه.. وكلام ابن مسعود أيضاً يحمل على الاختيار والاحتياط لكلام الله والمبالغة في تعظيمه... ولا يجب أكثر من كفارة لقول الله تعالى: لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ. وهذه يمين فتدخل في عموم الإيمان المنعقدة، ولأنها يمين واحدة فلم توجب كفارات كسائر الأيمان، ولأن إيجاب كفارات بعدد الآيات يفضي إلى المنع من البر والتقوى والإصلاح بين الناس، لأن من علم أنه بحنثه تلزمه هذه الكفارات كلها ترك المحلوف عليه كائناً ما كان، وقد يكون براً وتقوى وإصلاحاً فتمنعه منه، وقد نهى الله تعالى عنه بقوله: ولا تجعلوا الله عرضه لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس. وإن قلنا بوجوب كفارات بعدد الآيات فلم يطق أجزأته كفارة واحدة نص عليه أحمد. انتهى.

وأما معنى يمين الصبر فقال ابن حجر: يمين الصبر هي التي تلزم ويجبر عليها حالفها، يقال: أصبره اليمين أحلفه بها في مقاطع الحق. انتهى. وقال ابن الأثير: أي ألزم بها وحُبس عليها وكانت لازمة لصاحبها من جهة الحكم. انتهى. وقال السيوطي: هي التي ألزم بها الحالف عند الحاكم ونحوه، وأصل الصبر الحبس والإمساك. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني