الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف الشرع من إلحاق ابن الزنى بمن يدعيه

السؤال

سيدي لدي بعض المداخلات والاستفسارات حول الفتوى رقم 6045 والمعنونة (ولد الزنى ولمن ينسب)؛ بداية الموضوع أكثر من 4000 حرف لذلك بعد إذن سعادتكم سوف أضع جزءا منه في هذه النافذة والتكملة في نافذة ثانية بعنوان "استكمال للمداخلة حول الفتوى رقم 6045" راجيا أن تجدوها وتسامحوني على الإطالة.
سيدي؛ كما تعلمون أن من أهم الأهداف التي يرمي إليها الإسلام من التناسل هو حفظ الأنساب وعدم اختلاطها. لذلك فإن هذا الهدف يعتبر القاعدة الأساسية في التعامل مع مثل هذه الحالات، وبناء عليه اسمح لي ببعض المداخلات:
1- فحوى فتواكم (وأما نسبة الطفل، فإنه ينسب إلى أمه وأهلها) تؤدي إلى اختلاط الأنساب. بمعنى عندما ننسب هذا المولود إلى أمه، ماذا سيصبح اسمه؟ فلان بن فلانة. ماذا يحصل لو أراد فلان هذا الزواج من ابنة الزاني (أبوه الأصلي) أي أنه سيتزوج أخته...؟ من يمنعه...؟ وهل يجوز ذلك شرعا؟
2- فحوى فتواكم مدعاة إلى التشهير ومزيد من الممارسات المنحرفة (الزنا). بمعنى؛ طالما أن فلان / فلانة منسوب إلى أمه، خلاف ما اعتاد الناس، فهذا تشهير به بأنه ابن زنا. فنظرة الناس له لها نظرة دونية . وكذلك نظرته لنفسه. لذلك من السهل على الشيطان أن يتملكه ويقنعه، طالما أنك ابن خطيئة وأن الناس يرمونك بخطأ أمك فلماذا لا تكمل مشوار الخطأ والرذيلة. فهو بذلك أسهل وأقصر طريق ممهد له ليكون فردا ساقطا وليمارس كل طقوس السقوط والرذيلة، والملامة حاصلة ومبررة أصلا فمن ينتظر أو يتوقع الفضيلة من ابن الرذيلة .
3- فحوى الفتوى مدعاة إلى عقوق الوالدين وكفرهما. فإن افترضنا أن هذا الشخص قد صلح أمره وهداه الله إلى التقى ، فسوف يكون حاقدا كل الحقد على أمه وعلى أبيه المجهول. وهما يستحقان مثل هذا الحقد واللعن من المجتمع ولكن ليس من فلذة كبدهما...
4- فحوى الفتوى مدعاة إلى نبذ هذا الشخص من المجتمع. فمن بالله عليك يرضى أن يتعامل مع فلان بن فلانة، ومن يرضى على نفسه أن يزوج هذا الشخص حتى ولو أصبح إمام مسجد أو أصبح من أهل التقى والورع . لن يزوجه احد لسبب بسيط هو أن اسمه فلان بن فلانة – أي ابن الزانية- .
5- فحوى الفتوى مدعاة إلى الحرمان والعنصرية والانحراف، فهذا الشخص قد حرم من أبسط حق له في الحياة ألا وهو الاسم، فهو غير كل الناس _فلان بن فلانة_ وكما تعلم سيدي نحن نجيد صنع الألقاب والتنابز بها فلك أن تتخيل ماذا سيكون لقب هذا الشخص _ لن يكون مشرفا أبدا_ سيكون بكل بساطة (ابن الشرموطة أو ما شابه ذلك) _ أرجو أن تسامحني على هذا اللفظ الدنيّ_ وكل ذلك طبعا يعود بالضرر على الشخص وعلى المجتمع بأسره. فعندما لا يجد هذا الشخص من يتعامل معه باحترام أو من يزوجه، لا يجد ملاذا غير الاختلاط مع أمثاله من الساقطين وبذلك ينشأ عندنا مجموعة ساقطة منحرفة ناقمة على المجتمع النظيف، فتكون ردة الفعل التلقائية لتلك الفئة هي تدنيس هذا المجتمع النظيف ونشر الرذيلة فيه بسبب التعامل العنصري الذي فرضه هذا المجتمع على هذه الفئة من الناس.
6- لذلك سيدي قد يكون من الأنسب الأخذ برأي العلماء الذين أجازوا نسبة هذا الولد إلى أبيه– الزاني– فهذا أحفظ للأنساب وأستر لهذا المسكين الذي ليس له أي ذنب بفعل الزنا الذي استلذ بصنيعه من استلذ وعليه هو أن يدفع ثمن تلك اللذة.
سيدي؛ أكتفي بهذا القدر في هذه النافذة راجيا الله أن يتسع صدركم لما كتبت وراجيا السماح على أي خطأ أو لفظ صدر عني.
كما أرجو أن تجدوا الجزء الثاني من الموضوع في النافذة الأخرى بعنوان "استكمال للمداخلة حول الفتوى رقم 6045" وسوف تكون مبدوءة برقم 7.
جزاكم الله عنا كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فهذا جواب مجمل على ما أوردته من مشكلات على نسبة ابن الزنى إلى أمه وعدم نسبته إلى من يزعم كونه أباه.

فأما زواجه بأخته من أبيه فغير وارد لأنه لا أب له ولا يمكن الجزم شرعا بكونه أباه، ولذلك فإن الصلة بينه وبين أولاد أبيه من الزنى معدومة شرعا، مع أنه ينبغي الاحتياط في ذلك وعدم نكاحه لها كما لو أشيع الرضاع بما لا يثبت به.

وأما التشهير بنسبة الولد إلى أمه فسببها جناية الأم والزاني فهما من يتحملان وزر ما يلحق ذلك المولود، ولا يمكن نسبته إلى أبيه من الزنى لعدم الجزم بأبوته له، ولأن الزنى ليس طريقا صحيحا للحوق الولد بأبيه فإلحاقه به ظلم لأهله وأقربائه وإدخال شخص غريب عليهم.

ويمكن نسبة ابن الزنى إلى عبد الله أو عبد الرحمن ونحو ذلك من الأسماء التي ليس فيها تعيين، فيقال مثلا محمد بن عبد الله أو خالد بن عبد الرحمن ونحوه، وبهذا يزول عنه ما قد يعاجله من حرج في المجتمع.

واحتمال وقوعه في الرذيلة كاحتمال وقوع غيره، وقد يكون خطأ أمه عبرة له ليصحح حياته وينأى عن الخطيئة والرذيلة، وإن اختار ذلك المسار السيئ وسبيل الغواية كما اختارها أبواه فوزر ذلك عليه كأي إنسان مكلف، كما أن حقده على أمه والجزم به بسبب خطئها غير صحيح إذا هي ربته وأحسنت إليه، فإن حقد عليها بعد ذلك فوزره عليه.

وأما عدم تعامل الناس معه فلا ينبغي نبذه بسبب خطأ أمه كما لا ينبغي التشهير به، وإنما يسمى بابن عبد الله ونحوه كما بينا.

وبناء عليه؛ فلا حرج في الأخذ بقول الجمهور الذين منعوا نسبة ابن الزنى إلى من يدعي كونه أباه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: وإن كان من أمة لم يملكها أو حرة عاهر بها فإنه لا يلحق به ولا يرث. رواه أحمد. ولأن نسبة ابن الزنى إلى من يزعم كونه أباه فيه دعوة إلى هذه الجريمة وتيسير على مرتكبها بستره.

ولذلك فإن جملة ما ذكرت من المفاسد يدل على بشاعة جريمة الزنى واستحقاق مرتكبها لما شرعه الله عز وجل من عقوبة ليرتدع المجتمع عنها، فلا يوجد أبناء زنى.

هذا مع التنبيه إلى أنه لو أخذ حاكم أو عالم برأي من يرى جواز إلحاق ابن الزنى بمن يدعيه وهو قول عروة وسليمان بن يسار وإسحاق ابن راهويه وأبي حنيفة رحمهم الله، فلا حرج.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني