الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مناقشة من زعم بأن قراءة آية الكرسي وعدمها دبر الصلاة لا أثر له في دخول الجنة

السؤال

لقد قرأت في الحديث أن من قرأ دبر كل صلاة آية الكرسي لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت. الذي فهمته من الحديث أن الحائل من دخول الجنة هو الحياة بمعنى إذا مت دخلت الجنة لكن سألت أحد طلاب الشريعة وقال لا بد أن يعذب الشخص في النار عن ذنوبه ثم يدخل الجنة، فاذا كان كذلك فسواء قرأت الآية أو لم تقرأها لا بد أن تعذب بالنار، فأرجو توضيح المسألة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالحديث المذكور رواه النسائي وابن السني من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، واختلف في ضعفه وحسنه، وبالغ ابن الجوزي فذكره في الموضوعات ولا يوافق على هذا، بل الحديث حسن إن شاء الله، وقد صححه ابن حبان والمنذري وابن عبد الهادي وابن كثير، وهو فضيلة عظيمة لهذا الذكر، وينبغي أن يعض عليه المسلم بالنواجذ ولا يفرط فيه بحال، وما ذكرته عمن نسبته إلى طلب العلم الشرعي غلط ظاهر وذلك من وجوه:

أولها: قطعه بأن كل أحد من المسلمين لا بد من أن يعذب بالنار فهذا خلاف معتقد أهل السنة، فإن من زادت حسناتهم على سيئاتهم فمآلهم إلى الجنة، ومن زادت سيئاتهم على حسناتهم إذا كانوا من أهل التوحيد فهم تحت مشيئة الرب عز وجل إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم: إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء {النساء:48}، فمن أهل الكبائر والذنوب من يدخلون الجنة برحمة الله عز وجل دون أن يعذبوا بالنار، ومنهم من يقضي ما عليه في النار ثم مآله إلى الجنة.

ثانيها: تحجيره رحمة الله الواسعة، وزعمه أن من فعل الطاعة رجاء ثوابها ومن لم يفعلها يستويان مثلاً عند الله، وقد نفى الله التسوية بين أهل طاعته وأهل معصيته.. فقال تعالى: أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ {الجاثية:21}، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

ثالثها: قد بين العلماء أن نفي الأسباب أن تكون أسباباً قد تكون قدحا في العقل، كما أن تعطيل الأسباب قدح في الشرع، والاعتماد عليها قدح في التوحيد، وقول هذا القائل إن قراءة آية الكرسي وعدمها دبر الصلاة لا أثر له، نفي لما جعله الله سبباً لنيل رحمته التي وسعت كل شيء، وإذا تفضل الله على عباده بجعل عمل ما سبباً لثواب ما فلا يجوز للعباد أن يجترأوا بتعطيل ما جعله سبباً، ولكن عليهم أن يجتهدوا في التسابق إلى الطاعات والحرص على الخيرات، والأخذ بالأسباب الموجبة لرضى رب الأرض والسموات...

لكن يجب التنبه إلى أمر مهم وهو أن حصول هذه الفضائل العظيمة كالذي وعد عليه في هذا الحديث وغيره من نصوص المغفرة والثواب الجزيل على الأعمال موقوفة على وجود المقتضي وانتفاء المانع، فإذا صادف هذا العمل محله ومقتضيه ولم يمنعه مانع من التأثير أثَّر أثره وأثمر ثمرته بإذن الله، فلا يجوز للعبد التفريط في الطاعات والاجتراء على السيئات بزعم أنه قرأ آية الكرسي دبر الصلاة مثلاً فلو مات دخل الجنة، فذلك يقال له: إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ {الأعراف:56}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني