الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التخلص من الوساوس التي تتابع وتتغير أشكالها

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم.أنا شاب 17 سنة أعاني من الوسواس القهري منذ حوالي أربع سنوات ولكن طيلة السنوات الماضية كان الوسواس خفيفا إلى أن ازداد هذه السنة زيادة هائلة خاصة في الوضوء والصلاة: فأنا لا أستطيع أن أبدأ بالوضوء لأن الوسواس يزيد فأنا أنطق بالشهادتين كل وضوء خوفا من الكفر لأن الشيطان إذا نطقت بالنية يقول لي: حتى يعلم الله ذلك، (وأنا أعلم أن الله يعلم كل شيء بدون أن أنطق النية)، وعند الوضوء أحس أنه سيخرج ريح إحساسا قويا فهل للشيطان تحكم بالريح، منذ فترة تخلصت من وسوسة النية في الوضوء ولكن أعاني الآن من الوسوسة في نية تحديد وقت الصلاة، (وللشيطان حيل كثيرة) فإذا أردت أن أصلي الظهر مثلا يقول (عصر) أو العكس، ولكن لن يستطيع أن يقول لي في صلاة الظهر (مغرب) لأن الوقت نهاراً، ولأن الظهر أربع ركعات والعصر أربع ركعات فالوسوسة هنا تزيد أكثر، وكذلك المغرب والعشاء أيضاً، ولكن عندما عرفت حيلته وعرفت أنه وقت الظهر فأصلي الظهر لم يستطع أن يقول عصر ولذلك لجأ إلى حيلة أخرى، فإذا أردت أن أصلي ظهر هذا اليوم، يقول لي (هذا قضاء لظهر أمس) فإذا أقنعت نفسي بأنني صليت ظهر أمس، وأريد أن أصلي ظهر اليوم قال لي: أنت لم تصل الصلاة الفلانية أو صلاة كذا فلا أستطيع أن أدخل في الصلاة إلى أن أنطق النية أكثر من مرة كقول (ظهر اليوم) ثم أكبر بسرعة وأصلي (هذا إذا لم أسلم من صلاتي) فماذا أفعل.. فأنا أعرف علاج الوسواس وهو الإعراض عنه، ولكن إذا كانت في الوضوء نفسه أو الصلاة نفسها فأنا أستطيع التغلب عليه وأعرض عنه، ولكن عندما تكون الوسوسة في النية (وهي أساس العبادات)، فهذا أعظم.. فأنا لا أعرف هل هذه نيتي أم وسوسة لأن النية في القلب.. أتوقع أن تقولوا لي أعرض عن الوسواس، ولكن الشيطان يريد تغيير نيتي أو إفسادها فكيف أجزم نيتي علما بأن الشيطان يحاول تغييرها فقد عرف الشيطان نقطة ضعفي وهي النية.. فالمشكلة عندي عندما أبدأ بالوضوء أو الصلاة فإذا بدأت أكملت صلاتي بسهولةوهناك مشكلة أخرى فمن الطبيعي أن يثيرني أي شيء عن النساء لأنني شاب ولكن أشك كثيراً في خروج المذي بدون أن يحدث انتصاب حتى لو تكلم المدرس عن موضوع للنساء أشك في خروج المذي فأغسل فرجي عند كل وضوء.. وأرى كثيراً من الناس ممن يسمعون مواضيع عن النساء ويتوضؤون ويصلون.. ستقولون لي الشك لا يعتبر به ولكن كيف أعرف أن المذي خرج فهو يخرج بدون أن أحس به وقد قرأت أنه يتفاوت بين الناس فقد يخرج عند الانتصاب وقد يخرج عند نظرة واحدة أو كلام عادي.. فهل يجوز أن أتوضأ وأصلي بدون أن أغسل فرجي حتى لو نزل المذي بدون أن أعرف.. وكيف يكون غسل الأنثيين هل يكون غسل كيس الصفن كاملاً مع الذكر، وهل يجب خلع السروال لغسل الفرج، وإذا لم يجب فكيف يصل الماء بكف واحد إلى الأنثيين فقد يصل إلى الذكر ( القضيب) فقط ولا يصل إلى الأنثيين (كيس الصفن)،عندما عرف الشيطان أني أحب الصلاة لم يستطع أن يغويني بالمعاصي ولذلك لجأ إلى الوسوسة، فأرجو الإجابة دون إحالتي إلى فتاوى أخرى وبارك فيكم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالظاهرُ لنا أنك قد عرفت علاج مشكلتك، فلا ينقصكَ العلم إذاً وإنما تنقصكَ إرادةٌ قوية تحملكَ على تنفيذ ما علمت وجعله واقعاً ملموساً، وهذه الإرادة تحصل لك بالاستعانة بالله عز وجل، والاجتهاد في الدعاء، ثم بطرح الوسوسة والشكوك وراء الظهر مهما تعددت أسبابها واختلفت صورها، فإنكَ كما يبدو كلما عالجتَ لوناً منها نبتت في قلبكَ على لونٍ آخر، وعلاج ذلك كله أن تستحضر رحمة الله بعباده فهو سبحانه أرحم بعبده من الأم بولدها، فلم يكن تعالى ليعنت عباده أو ليشق عليهم بتكليفهم مالا يطيقون، ثم اعلم أن الشيطان ليس لك بناصح، ولا هو على عبادتك حريص، وأنت تعلم أنه هو الذي يوسوس لك بهذه الوساوس في أمر النية والطهارة وغيرها.. فعليكَ كلما وسوس لك أن تستحضرَ نوعاً من أنواع العبودية هو عبودية المراغمة أي مغايظة أعداء الله وعلى رأسهم الشيطان، فأنت كلما طردت وسواسه عنك كبته وقهرته وأصبته بالحسرة، فإذا استحضرتَ أنها حربٌ دائرةٌ بينكَ وبينه، وأن وسيلة النصر فيها هيَ أن تحرس ثغر قلبك فلا تمكنه من أن يطرح فيه الوساوس والشكوك كان ذلك عوناً لك على التخلصِ من هذا البلاء، ولا مانع من أن تستعين على علاج ما تجد بطبيبٍ نفسيٍ ثقة ذي دين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالتداوي وشرعه لأمته.

وأما أمرُ المذي فإنه لا يخرجُ إلا عند اشتداد الشهوة كما ذكر العلماء، وذلك بأن توجد قرائن تدلُ على خروجه كانتصاب العضو مثلاً، وأما أن يكون المذي يخرج كلما ذُكرت النساء فهذا وهمٌ حملكَ عليه ما تجدُ من الوسواس، فإذا تحققت من خروج المذي بعد وجود أماراته الظاهرة، فاعلم أن الواجب منه هو غسل الذكر نعني غسل الموضع الذي خرجَ منه المذي وهو رأس الذكر، وأما غسل الأنثيين (الخصيتين) فقد ورد الأمر به في حديثٍ رواه أبو داود والأحاديث الثابتة في الصحيحين ليسَ فيها الأمر بغسل الأنثيين، وطريقُ الجمع أن يقال أن غسل الأنثيين مستحبٌ لا واجب، ولا يجبُ خلع السراويل عند غسل الذكر والأنثيين، بل يكفي أن يصب الماء على ذكره وأنثييه حتى يعلمَ أو يغلب على ظنه أنه قد وصل إلى جميع ما يُراد غسله، ويجب غسل ما أصاب البدن من المذي، وأما ما أصاب الثياب منه ففيه خلافٌ معروف، فمذهبُ أحمد وجماعة من أهل العلم أنه يُكتفى فيه بالنضح أي الرش وهو الذي نُفتيكَ به.

والخلاصة: أن عليكَ ترك الوسواس في أمر النية بل اجزم بها وادخل الصلاة غير شاكٍ فيها، وأمر خروج الريح فأعلم أن الشيطان ليس له تحكمٌ في ذلك، بل أقبل على صلاتك بقلبٍ خاشع جازماً بنيتها في قلبك ولا تتلفظ بها بلسانك، وأعرض عن كل ما يشغلك عن صلاتك، وأقبل على ربك عز وجل متفكراً في أذكار الصلاة، معرضاً عما سوى ذلك، وكذلك أعرض عن الوسوسة في أمر خروج المذي ولا تلتفت إلى الشكوك والوساوس فإن وجدت قرائن ظاهرة تدلُ على خروجه فيمكنك حينئذٍ أن تتحقق من الأمر، لأن المذي قد لا يُشعر بخروجه كما قال العلماء، ثم الطهارة منه على الكيفية التي ذكرناها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني