الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

منع الأبوين ولدهما من الزواج ممن يرغب ليس على إطلاقه

السؤال

لقد أجبتم كثيراً أنه لا يجوز للولد تزوج امرأة بعينها إذا رفض الوالدان، ولكن سؤالي هل يجوز للوالدين أن يمنعاها لأمور نفسية، كره الأم لأهل الفتاة بدون سبب وما يترتب على هذا المنع من عزوف الشاب كلياً عن الزواج أو اتصاله بالفتاة سراً أو زواج سري وأغلب الزواج السري كله من تعقيدات الآباء ثم إذا كنت تشتهي طعاما حلالا هل لأحد أن يمنعك هل تمنع من المرأة التي تريد تمضية عمرك معها أليس في الإسلام حق اختيار الشريك للبالغ العاقل الراشد، هل يجوز أن أتزوج غير من أريد إرضاء لأهلي وأظلم الزوجة الجديدة، الأهل يحسبون أني سوف أنسى بعد الزواج هل الجماع بأخرى ينسيني من اخترتها وأريدها، فأرجو أن تنصحو الآباء والآمهات من سلب حق الاختيار لأبنائهم هذا أقل حقوق الإنسان أن يختار من يعيش معه طيلة عمره لا أن يختار له؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فجزاك الله خيراً على تواصلك معنا، ونسأل الله سبحانه أن يزيدك حرصاً على دينك، واعلم أخي السائل أن ما سبق وكررناه في فتاوانا السابقة أنه لا يجوز للابن أن يتزوج بامرأة اعترض عليها أبواه أو أحدهما لأن طاعة الوالدين في المعروف واجبة، ولكننا دائماً نستثني أنه إذا لم يكن للوالدين حجة معتبرة في الاعتراض وكان الولد سيلحقه ضرر في دينه أو دنياه إن هو ترك الزواج بمن يريد فإنه في هذه الحالة له أن يتزوج ولو لم يوافقه أبواه، فإن زواج الرجل من غير موافقة أبويه بل بدون إخبارهما بالزواج أصلاً يعد زواجاً صحيحاً لا شبهة فيه البتة، هذا إذا كان عاقلاً بالغاً، وراجع في ذلك الفتاوى ذات الأرقام التالية: 93194، 114196، 114921، 112771.

وقدمنا أنه لا يجوز للأب أن يمنع ابنه من الزواج بمن يريد، وليس له أن يجبره على الزواج بمن لا يحب، لأن أمر الزواج خطير فهو يتعلق بأسرة ناشئة يترتب عليها حقوق كثيرة، فلا بد وأن يحاط هذا العقد بما يضمن نجاحه واستمراره، ومن أهم أسباب ذلك أن يتزوج الرجل بمن يريد والفتاة بمن تريد طالما وجد الدين والخلق في الطرفين، قال سبحانه: فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء {النساء:3}، ولم يقل فانكحوا ما طاب لآبائكم ولا لأمهاتكم، قال السعدي رحمه الله عند تفسير هذه الآية: وفي هذه الآية أنه ينبغي للإنسان أن يختار قبل النكاح، بل وقد أباح له الشارع النظر إلى من يريد تزوجها ليكون على بصيرة من أمره.

والشرع قد كفل للفتاة الزواج بمن تريد ومنع وليها من الحيلولة بينها وبينه وعده عاضلاً عاصياً إذا فعل، قال ابن قدامة -في المغني- في حق الفتاة التي يمنعها وليها من الزواج بمن تريد: فإن رغبت في كفء بعينه، وأراد تزويجها لغيره من أكفائها، وامتنع من تزويجها من الذي أرادته كان عاضلاً لها. انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة، الأولى فالأولى فإن أبوا أن يزوجوا -كما هو الغالب- فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي. انتهى.

فإذا كان الولي لا يحق له منع المرأة من الزواج بمن تريد من الرجال، ووجوده شرط في صحة النكاح، فمن باب أولى لا يحق للأب منع ابنه من الزواج بمن يريد، لأن الرجل البالغ الرشيد لا ولاية لأحد عليه في النكاح.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني