الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أنواع النسخ وهل يلزم أن يكون إلى بدل؟

السؤال

قال تعالى (ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها)، وآية الرجم من الآيات التي نسخت تلاوتها وبقي حكمها، فأين الآية التي هي مثلها أو خير منها؟ ولو كان معنى آية هنا: (حكمها)، فأين حكمها الجديد؟ فيجب أن يكون عندنا حكم جديد، ويجب إبطال حكم آية الرجم، هكذا فهمت أنا، فأرجو الرد على سؤالي، وإفادتي بشكل عاجل، وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعـد:

فإن المنسوخ أنواع: فمنه ما نسخ لفظه وبقي حكمه، مثل آية الرجم، ومنه ما نسخ حكمه ولفظه، أو نسخ حكمه دون لفظه.

فما نسخ لفظه دون حكمه، يعتبر بعض ما نزل من القرآن بعده بدلًا عنه، ولا يشترط أن يكون النازل بعده في نفس الموضوع، ولا أن يعلم الناسخ له، وقد ذكر السيوطي في الإتقان كثيرًا من أمثلة ذلك، ومنه ما في سورة البينة: أن ذات الدين عند الله الحنيفية، لا اليهودية، ولا النصرانية، ولا المجوسية، ومن يعمل خيرًا، فلن يكفره. رواه الحاكم، وصححه، ووافقه الذهبي.

وقد ذكر السيوطي في بيان حكمة ذلك: أنه يظهر به مقدار طاعة هذه الأمة في المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن، من غير استفصال لطلب طريق مقطوع به، فيسرعون بأسرع شيء، كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام، والمنام أدنى طريق الوحي. انتهى. وقد ذكر المرداوي في شرح التحرير: أن من أنواع النسخ ما نسخ رسمه وبقي حكمه، ولكن لا يعلم ناسخه، ومثل لذلك بـ: لو أن لابن آدم واديًا من ذهب، لابتغى أن يكون له ثان. وبما في البخاري أنه نزل في قتلى بئر معونة: بلغوا قومنا بأنا قد لقينا ربنا، فرضي عنا، وأرضانا.. انتهى.

وأجاب السيوطي في الإتقان عن آية البقرة، التي ذكر السائل، فقال: قال ابن الحصار: إن قيل: كيف يقع النسخ إلى غير بدل، وقد قال الله تعالى: ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها.. وهذا إخبار لا يدخله خلف.

فالجواب: أن نقول: كل ما ثبت الآن في القرآن ولم ينسخ، فهو بدل مما قد نسخت تلاوته، وكل ما نسخه الله من القرآن مما لا نعلمه الآن، فقد أبدله بما علمناه، وتواتر إلينا لفظه، ومعناه. انتهى.

وقد نحى القرطبي في التفسير منحى قريبًا من هذا، فذكر أن النسخ يراد به أمران:

أحدهما: إبطال الشيء وإزالته، وإقامة آخر مقامه، ومنه: نسخت الشمس الظلّ، إذا أذهبته، وحلّت محله، وهو معنى قوله: ما ننسخ من آية... وفي صحيح مسلم: لم تكن نبوة قط إلا تناسخت، أي: تحولت من حال إلى حال، يعني أمر الأمة...

الثاني: إزالة الشيء دون أن يقوم آخر مقامه، كقولهم: نسخت الريح الأثر. ومن هذا المعنى: قوله تعالى: فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ. أي: يزيله، فلا يتلى، ولا يثبت في المصحف بدله، ومن هذا ما روي أن سورة الأحزاب كانت تعدل سورة البقرة في الطول، فنسخ الكثير منها. انتهى.

هذا، وننبه إلى أن كثيرًا من العلماء ذهبوا إلى جواز النسخ إلى غير بدل، قال الزركشي في البحر المحيط: لا يشترط أن يخلفه بدل. وقال الفتوحي في شرح الكوكب المنير: ويجوز نسخ بلا بدل عن المنسوخ، عند أكثر العلماء. انتهى. وقال الرازي في المحصول: يجوز نسخ الشيء لا إلى بدل، خلافًا لقوم. انتهى.

وقد ذهب بعض أهل العلم من الظاهرية، والمعتزلة إلى أنه لا يكون النسخ إلا إلى بدل، ورجح مذهبهم الشيخ الشنقيطي في المذكرة، مستدلًّا بآية البقرة، وراجع كتب الأصول للمزيد من الفائدة في الموضوع.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني