الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

صاحبه سب أمه فكيف يرد عليه

السؤال

لي صاحب بالمدرسة قال سبة للوالدة وعرف الشخص أني لا أحب من يخطئ على الأهل فهو لم يقلها بشكل مباشر لكن بلغة أخرى غير لغتنا فكل ما أقول له لا تقلها يقولها، يعرف أني لا أحب هذه الكلمة فماذا أفعل يا شيخ هل أفعل معه مشكلة أم ماذا أفعل، أم أتركه يذهب لأمه يا شيخ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد قال الله تعالى: لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا* إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا {النساء:149}ز

قال السعدي: يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول، أي: يبغض ذلك ويمقته ويعاقب عليه، ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة التي تسوء وتحزن، كالشتم والقذف والسب ونحو ذلك، فإن ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله، ويدل مفهومها أنه يحب الحسن من القول كالذكر والكلام الطيب اللين، وقوله (إلا من ظلم) أي: فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويتشكى منه، ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير أن يكذب عليه ولا يزيد على مظلمته، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه، ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته أولى..

وقوله (إن تبدوا خيراً أو تخفوه أو تعفوا عن سوء)، أي: عمن ساءكم في أبدانكم وأموالكم وأعراضكم فتسمحوا عنه، فإن الجزاء من جنس العمل، فمن عفا لله عفا الله عنه، ومن أحسن أحسن الله إليه. انتهى.

فمجازاة هذا الصاحب بجنس عمله ورد سيئته بمثلها، وإن جاز لقوله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا {الشورى:40}، فإنه ينبغي العفو والصفح، ولنسمع ربنا تبارك وتعالى يقول: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {الشورى:40}، وإذا قرأنا بعدها قوله تعالى: وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ {الشورى:41}، فينبغي أيضاً أن نكمل حتى نسمعه تعالى يقول: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:43}، وهذا كقوله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ* وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ* إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ {النحل:126-127-128}، ولهذا فقد قال صلى الله عليه وسلم: المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.

وننبه السائل الكريم على أن مثل هذا الصاحب يحتاج إلى من ينصحه ويأخذ بيده، ويترفق به في إنكار هذا المنكر عليه، فإن فعلت ذلك فنرجو أن يكون لك نصيب من قوله تعالى: وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ* وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {فصلت:34-35}، كما ننبه السائل الكريم على أن هذا الصاحب إن سب الوالد أو الوالدة فلا يجوز لك أن تسب والده أو والدته، بل تسبه هو، فإن من الظلم أن يسب أو يعاقب غير الجاني، والله تعالى يقول: وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى {الأنعام:164}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا، ألا لا يجني جان إلا على نفسه، ولا يجني والد على ولده، ولا ولد على والده. رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وابن ماجه وحسنه الألباني..

وأخيراً لا بد من التنبه إلى أن ما كان محرماً في ذاته كالقذف لا يحل الاقتصاص فيه بالمثل، وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 57954.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني