الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

سبيل البعد عن الخواطر الشيطانية والكفرية

السؤال

مشكلتي تتلخص في أن أخي الذي يكبرني ويشاركني الغرفة عينها مريض بمرض الفصام، كان يستيقظ ليلاً ويتكلم بكلمات بذيئة عن الله وعن الرسل وكلمات فيها ما فيها من الكفر والوقاحة وقلة الأدب مع الله، وكنت أستيقظ على كلامه وأسمع هذه العبارات وأتألم منها، ثم أصبحت هذه العبارات تدور في خاطري ليلا نهارا.
أنا لم أكن أعرف أصلاً أن أخي مريض بمرض الفصام، فصرت أخشى على نفسي أن أتكلم بمثل هذه الأفكار، بعد ذلك باتت تأتيني في أفعالي؛ مثلاً عند الاستمناء كانت تأتيني هذه الأفكار والخواطر، فأصبحت أتهم نفسي بالكفر الشديد وأن الله لن يغفر لي، ثم تطورت هذه الأفكار إلى أفكار أبشع من ذلك بكثير وأصبح عندي وسواس قهري في الأفكار الجنسية، حيث عند التفكير في الجنس أحس أني أنسبها إلى أشياء مقدسة جداً وأنسبها والعياذ بالله إلى الخالق والأنبياء وإلى القرآن حتى كدت أجنّ.
ودائماً أقول لا أحد في العالم يفكر مثلما أفكر، يعني أني أشد الناس كفراً، وأصبحت أتهم نفسي بالكفر الشديد وأني المسؤول عن هذه الأفكار، مع العلم أني أتمنى أن تقطع رأسي لأتخلص منها. بعد ذلك صارت تأتيني بكثرة مع عملية الاستمناء التي لا أستطيع تركها، لكن في الوقت الحالي أضحت قليلة بعدما كنت أفعلها عدة مرات في اليوم، حيث كان الوسواس يأتيني عند هذه العملية، وكانت تعطيني انطباعاً أن المتعة الناجمة هي من الأفكار التي ذكرتها لكم، وبعدها أحس بتأنيب شديد في الضمير، والذي يشل حياتي ولا أستطيع أن أفعل شيئاً بعده، حيث لا أستطيع تحديد ما إذا كنت قد كفرت أم لا، لكن والله أتمنى أن أرمي نفسي من فوق جبل على أن تأتيني مثل هذه الأفكار الحقيرة الوقحة.
أنا الآن أرفض الزواج رفضاً تاماً خوفاً أن تأتيني هذه الأفكار عند اللقاء الجنسي مع زوجتي، مع العلم أني أفكر في الجنس الآخر بشكل كبير جداً. يعني أنا أتمنى أن أتزوج، لكني خائف في نفس الوقت، ولا أقول لكم أني لم أذهب لطبيب نفسي، بل ذهبت ولكن تعالجت من وسواس الطهارة والوضوء وغيرها من الأفكار العادية لكن لم أتعالج من تأنيب الضمير المتواصل الذي دمر حياتي.
وأريد أن أسأل سؤالاً آخر: هل أنا محاسب على أفكاري التي تأتي عند الاستمناء؟ أعرف أن الاستمناء حرام، لكن ما كنت أستمني حتى تأتيني هذه الأفكار وتأتي رغماً عني ملازمة لهذه العملية.
ظللت على هذه الحال 8 سنوات وأنا متردد هل أتزوج أم لا، هل أنا كافر أم لا، هل الله يقبل توبتي بعد كل هذه الأفكار، حيث أنها أفكار لم تمر على بشر قبل ذلك- وهذا إحساسي طبعاً-، وأنا الآن في حيرة من أمري. وأحب أن أقول أن ما صار معي هو نتيجة الخوف، يعني ينطبق عليه المثل (اللي بيخاف من البعبع بيطلعله) أنا كنت أخاف من الكفر لدرجة غير طبيعية، حيث أصبحت أتوهم أن كل كلمة وكل فعل يخرج مني هو كفر.
سؤال آخر: هل ينطبق عليّ الحديث الشريف: لا يحاسب العبد على ما يخطر بباله، ما لم يقل أو يفعل. حيث تأتي الأفكار امتداداً للفعل مثلما قلت لكم -الأفكار الجنسية والكفرية-، في نفس الوقت تأتي ملازمة لعملية الاستمناء.
أرجوكم ما الذي أمرّ به؟ وهل هذه الأفكار تأتي أحداً غيري؟ ولماذا هذه بالذات؟ لماذا ليس غيرها من الأفكار؟ أريد حلاً، ماذا أفعل؟. الآن الأفكار ليست شديدة في الوقت الحالي، لكن تأنيب الضمير هو الذي سيرجعها في وقت آخر، لذلك كيف أتخلص من تأنيب الضمير هذا على أشياء ما كنت أريد أن أرتكبها -هذا إذا ارتكبتها فعلاً- لأنني الآن لا أعلم ما أمرّ به وما هو! هل أنا مجنون أم مريض فصام أم وسواس قهري، أم أنا أفعلها فعلاً بقصد؟ أنا لا أفهم شيئاً، وضحوا لي أرجوكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنوصيك أولا أن تهون على نفسك وتبعد عنها أي توتر فهذا أدعى لأن تنظر إلى أمرك بشيء من الروية وتصل إلى نتائج ترضيك.

وأعلم أن ما أصابك إنما هو كيد من الشيطان لينكد حياتك ويفسد عليك دينك فلا تلتفت إلى الوساوس فإنها لا تضر صاحبها ما لم يترتب عليها قول أو عمل، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم.

فما دمت لم تتلفظ بشيء من الكفر ولم تعمل عملا مكفرا فإنك لم تكفر.

وإذا كنت تكره هذه الخواطر الكفرية فإن هذا دليل إيمان، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه، قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان.

وروى الإمام أحمد وأبو دواد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أحدنا يجد في نفسه يعرض بالشيء لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به، فقال الله أكبر الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة.

فنوصيك بالمزيد من إغاظة الشيطان بالاستعاذة بالله عز وجل من وساسه عند وردود هذه الخواطر ، وعدم الالتفات إليها، وعليك بالاستزادة من الطاعات والبعد عن المعاصي والذنوب بما في ذلك الاستمناء فإنه محرم وله أضراره، ثم إن المعاصي قد تكون سببا في البلاء، كما أن الطاعات سبب في دفعه.

وإذا خوفك الشيطان بأنك قد كفرت، فقل إني لم أكفر، ولو أنني كفرت فإن ربي غفور رحيم، فمغفرته ورحمته لا يتعاظمهما ذنب، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ { سورة الزمر:53}.

وأما الزواج فعليك بالمبادرة إليه ودع عنك المخاوف والاهتمام بأي وساوس قد تأتيك من هذا الجانب، بل إننا نرجو أن يكون هذا الزواج خير معين لك على الخير.

روى الترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة حق على الله عونهم المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف.

ولا تخبر من تريد الزواج بها و لا غيرها بما جرى لك.

وننصحك في الختام بالإكثار من الدعاء وذكر الله تعالى وخاصة أذكار الصباح والمساء، وأن تحرص على الرقية الشرعية.

ولمزيد الفائدة بهذا الخصوص نرجو مراجعة الفتوى رقم: 51601 .
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني