الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توضيح حول المذهب الحنفي في قدم المرأة هل هو عورة أم لا

السؤال

كل الشكر لكم على إتاحة هذه الفرصة لمراسلتكم.. وبعد: فإن الله شرع الاختلاف بين المسلمين في الفقه، وهذا ما لا يستطيع إنكاره أحد منذ حادثة صلاة العصر في غزوة بني قريظة وإلى قيام الساعة، وإن على كل من المختلفين أن لا ينكر أحدهما على الآخر اجتهاده ما دام له أصل شرعي واضح، وفهم واطلاع على كل أدلة المسألة، بخصوص ثلاث فتاوى منشورة حول "قدم المرأة وأنها عورة"، فقد ذكر المفتي في جوابه: أن أبا حنيفة يقول إنهما ليسا من العورة لأنهما يظهران غالبا كالوجه واليدين، وهذا الكلام خطأ لأن أبا حنيفة لم يؤثر عنه هذا القول بهذا التعليل هكذا أبداً، كما أن هذا القول متناقض مع نفسه، لأننا حتى نستطيع أن نثبت أن الوجه والكفين ليسا بعورة يجب علينا أن ننصص أن كل ما سواهما عورة حسب الدليل "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها (الوجه والكفين)" فمن أراد أن يعتبر القدم ليست عورة يجب عليه أن يرد هذه الرواية المشهورة القوية ويعتبرها خطأ، وعندها عليه أن يأتي بدليل آخر يعتمد عليه في تحديد عورة المرأة واستثناء الوجه والكف والقدم وهذا غير موجود أبداً، وإنما المذكور عند فقهاء الأحناف أنفسهم في مذهبهم (وليس عن الإمام) ما يفيد أن القدمين ليستا عورة في الصلاة، وعورة خارجها (أي أمام الرجال)، وهذا القول هو الصحيح كما نقل ذلك الدكتور العلامة وهبة الزحيلي في كتابه الفقه الإسلامي وأدلته، أما تأصيل مسألة قدم المرأة في المذهب الحنفي، فإن كبار فقهاء الأحناف قد ذكروا أنها مستثناة في شروط الصلاة، وليست مستثناة في عورة النظر لأنهم أخذوا برواية ابن عباس التي تنصص أن كل ما سوى الوجه والكفين عورة أو بلفظ آخر "الكحل والخاتم" (الكتاب"للقدوري"، مبسوط الشيباني "محمد الشيباني"، المبسوط "للسرخسي"، الجوهرة النيرة "للزبيدي"، الاختيار لتعليل المختار "للموصلي"، الفتاوى الهندية، البحر الرائق " لابن نجيم"، المحيط البرهاني، البريقة المحمودية، تنوير الأبصار وجامع البحار "للغزي"، و غيرها). مع وجود رواية شاذة عن الحسن بن زياد خلاف ظاهر الرواية تسمح بكشف القدمين حتى خارج الصلاة للبلوى في عصرهم عند المشي وعدم توفر الخف للجميع، وهذه الرواية الشاذة المخالفة للأدلة لا يفتى بها، ولا يليق حتى الإشارة إليها لأنها ضعيفة جداً ومخالفة للرواية القوية ومخالفة للأدلة الشرعية من جهة، ولما تسببه من إيذاء للمجتمع وفتنة لأن القدمين العاريتين للأنثى صار فيها فتنة وإغراء في هذا العصر كما هو معروف، وليس في تغطيتها أي بلوى لأن الأحذية والجوارب أصبحت رخيصة جداً في هذا العصر ومتوفرة للجميع، فأرجو منكم تصحيح ذلك في الفتوى المنشورة على الموقع، ويسعدني أن أناقش المسألة معكم أكثر إن رغبتم في ذلك عبر بريدي الإلكتروني، كما أنه عندي رسالة حول تحقيق وتفصيل مسألة قدم المرأة في المذهب الحنفي، أحب أن أرسلها لكم إن كنتم تريدون المزيد من التفاصيل، وذلك من أجل خدمة العلم، أشكركم مرة أخرى وأسأل الله أن يبارك في مساعيكم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

أولاً: فإننا بداية نشكر السائل الكريم لتواصله معنا وحرصه على نصحنا وإبداء ملاحظاته حول الفتاوى المنشورة على موقعنا، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل هذا في ميزان حسناته يوم يلقاه.. والذي يظهر من بيانات سؤاله أنه هنا في قطر فإن كان الأمر كذلك وأراد التواصل معنا مباشرة فحياه الله.

ثانياً: لعل المفتي اعتمد في نسبة القول المذكور على محققي كبار أئمة الفقه كالنووي وابن قدامة وابن رشد وغيرهم، قال النووي في المجموع: وقال أبو حنيفة والثوري والمزني قدماها أيضاً ليسا بعورة.. انتهى.

وقال ابن قدامة في المغني: ... وقال أبو حنيفة القدمان ليسا من العورة لأنهما يظهران غالباً فهما كالوجه.. انتهى... وهذا النقل مذكور في الفتوى رقم: 99905 فاطلع عليها.

ثالثاً: القول بأن قدمي المرأة ليساً بعورة عند الحنفية في الصلاة هذا هو المعتمد كما قال ابن عابدين في حاشيته: ... تقدم أيضاً في شروط الصلاة أن القدمين ليسا عورة على المعتمد.. انتهى..

وأما خارج الصلاة فقد اختلفوا أيضاً ولم يتفقوا على كونهما من العورة، قال ابن نجيم الحنفي في البحر الرائق: .. واستثنى المصنف القدم للابتلاء في إبدائه خصوصاً الفقيرات وفيه اختلاف الرواية عن أبي حنيفة والمشايخ فصحح في الهداية وشرح الجامع الصغير لقاضي خان أنه ليس بعورة واختاره في المحيط وصحح الأقطع وقاضي خان في فتاواه على أنه عورة واختاره الاسبيجابي والرغياني وصحح صاحب الاختيار أنه ليس بعورة في الصلاة وعورة خارجها ورجح في شرح المنية كونه عورة مطلقاً بأحاديث منها ما رواه أبو داود والحاكم عن أم سلمة أنها سألت النبي أتصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار فقال: إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها.. انتهى.

وهذا النقل ظاهر في أن هناك رواية عن أبي حنيفة نفسه أنهما ليساً بعورة لأنه قال: وفيه اختلاف الرواية عن أبي حنيفة. وهذا يؤيد ما نقله ابن قدامة والنووي وغيره.

رابعاً: المفتى به عندنا والمرجح أن قدمي المرأة عورة في الصلاة وخارجها، وانظر الفتوى رقم: 8116.

خامساً وأخيراً: لا تلازم عند الحنفية بين القول بأن قدم المرأة ليس بعورة وبين جواز النظر إليه، قال ابن نجيم: واعلم أنه لا ملازمة بين كونه ليس بعورة وجواز النظر إليه فحل النظر منوط بعدم خشية الشهوة مع انتفاء العورة ولذا حرم النظر إلى وجهها ووجه الأمرد إذا شك في الشهوة ولا عورة.. انتهى..

وللفائدة تراجع الفتوى رقم: 50794.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني