الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أثر الإيمان والصلاة في حصول السكينة والراحة النفسية

السؤال

1_كيف يؤدي الإيمان بالله إلى الشعور بالطمأنينة والسكينة.
2 _ كيف تساهم الصلاة في محاربة الأمراض النفسية؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد ضرب الله مثلا يوضح حقيقة العلاقة بين الإيمان وحصول آثاره من راحة القلب وطمأنينة الصدر وطيب النفس وصلاح البال، فقال تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ {الزمر: 29}.

قال السعدي: {فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ } ليسوا متفقين على أمر من الأمور وحالة من الحالات حتى تمكن راحته، بل هم متشاكسون متنازعون فيه، كل له مطلب يريد تنفيذه ويريد الآخر غيره، فما تظن حال هذا الرجل مع هؤلاء الشركاء المتشاكسين؟ { وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ } أي: خالصا له، قد عرف مقصود سيده، وحصلت له الراحة التامة. { هَلْ يَسْتَوِيَانِ } أي: هذان الرجلان { مَثَلا } ؟ لا يستويان. كذلك المشرك، فيه شركاء متشاكسون، يدعو هذا، ثم يدعو هذا، فتراه لا يستقر له قرار، ولا يطمئن قلبه في موضع، والموحد مخلص لربه، قد خلصه اللّه من الشركة لغيره، فهو في أتم راحة وأكمل طمأنينة اهـ.

فبهذا يعرف أن الإيمان الذي يتوفر به صاحبه على وجهة واحدة، يعلم أنها هي التي تضر وتنفع، وتعطي وتمنع، وتخفض وترفع، هو الذي تحصل به السكينة والطمأنية ، فلا شك أن المؤمن الذي يعبد من بيده الضر والنفع أحق بهذه النعمة من المشرك الذي يعبد ما لا يضره ولا ينفعه، بل ضره أقرب من نفعه.

ثم إن الإيمان الذي يدور حول معرفة الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وأفعاله المثلى، يرسخ في القلب أنواعا من العبوديات، تتحقق بها سعادته وطمأنينته، فمن أيقن أن الله تعالى هو العليم الخبير، العزيز الحكيم، الغفور الرحيم، الغني الكريم، الحليم العظيم، الحي القيوم، من أيقن بذلك وعاش في الدنيا بمقتضاه لا شك أنه يطمئن قلبه وتسكن نفسه؛ ثقة بالله وتوكلا عليه وركونا إليه، حيث يعلم أن الله أرحم به من نفسه ومن أمه التي ولدته، وأن اختياره له خير من اختياره لنفسه.

ثم إذا نظرنا إلى أركان الإيمان كلٌّ على حدة لاحظنا ما لها من علاقة وثيقة بنزول السكينة وحصول الطمأنينة، فمثلا الإيمان باليوم الأخر يزهد العبد في الدنيا ويهون عليه مصائبها. والإيمان بالقدر يبعث في النفس الطمأنينة يريحها من كد التطلع إلى ما لم يكن، ويخفف عنها عناء حصول ما يكره، لأنه يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، كما قال تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ .. {الحديد:22 -23}.

ومن ناحية أخرى فإن الجزاء من جنس العمل، ولذلك كان الأمن ثمرة من ثمرات الإيمان، كما قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ {الأنعام : 82} ولا يخفى ما يعنيه حصول الأمن من حصول منافعه من السكينة والطمأنينة وغير ذلك. وذلك أن الله تعالى هو الشكور الذي يشكر القليل من صالح العمل، ويعفو عن الكثير من الزلل، ولا يضيع أجر المحسنين، وجزاؤه سبحانه لعبده المؤمن لا يقتصر على الآخرة، بل يكون في الدنيا أيضا، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يظلم مؤمنا حسنة، يُعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة رواه مسلم.

ومن هذا الجزاء الحسن للمؤمن في الدنيا أن يرزقه الله الطمأنينة وصلاح البال وطيب الحياة، كما قال تعالى: وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ {محمد:2}.

وقال: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {النحل:97}.

وقال: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {الرعد:28} فمن آمن بالله وأقبل عليه بالعمل الصالح كانت له في الدنيا الحياة الطيبة والسعادة الحقيقية كما قال تعالى: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا .. {طه:123-124}. وقال : إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ {الأحقاف:13}.

ولمزيد الفائدة عن هذا الموضوع يرجى الاطلاع على الفتاوى ذات الأرقام التالية: 102116، 115393، 38814، 67502 .

وأما الصلاة وأثرها النافع في علاج الأمراض النفسية فلا شك فيه، فإنها أعظم صور الإيمان العملي، وقد سماها الله إيمانا فقال: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ {لبقرة : 143} فهي صورة مثلى لصلة العبد بربه، حيث يقف بين يديه يناجيه ويتأهل لنزول رحمته وفضله، وهذا هو أساس صلاح النفس وخلاصها من آفاتها وشفائها من أمراضها، كما قال تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {العنكبوت:45}.

ولقد كان من عظيم أثرها وكبير شأنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا حزبه أي أمر اشتد عليه صلى . رواه أبو داود وأحمد. وحسنه الألباني.

وقال صلى الله عليه وسلم: جعلت قرة عيني في الصلاة رواه النسائي وأحمد وصححه الألباني.

وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها. رواه أبو داود وأحمد وصححه الألباني.

فعلم بذلك أن الصلاة تفرج بها الكروب، وتقر بها العيون، وترتاح لها النفوس، ولذلك أمر الله تعالى بالاستعانة بها مع الصبر، فقال سبحانه: يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين {البقرة: 153}.

وقد سبق ذكر الصلاة ضمن أدوية نافعة وناجعة في علاج القلق النفسي، في الفتويين: 16790، 51827 . كما سبقت الإشارة إلى كون الصلاة راحة نفسية وسكينة وطمأنينة في الفتوى رقم: 28759 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني