الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الصبر على جفاء الزوج وأذى أهله وعدوانهم

السؤال

ما الحكم الشرعي في مثل هذا الزوج، وهل عليه عقاب في الدنيا والآخرة؟ دام زواجنا سنة وتسعة شهور، والله يعلم يا شيخ أني لا أريد الطلاق؛ لأنني ومنذ بداية الزواج، وأنا أمر بضغوط من زوجي، ولكني ماشيت هذه الضغوط وصبرت عليها، ومررنا بمشاكل ولكنها كانت تنتهي بنفس اليوم، ولكن زادت المشاكل عندما سكنا عند أهله، فهم يراقبون خروجنا ودخولنا وغيره، وكانت الأم تتدخل في حياتنا، والزوج لا يحفظ أسراري، وكان يطلب مني أن أنزل عند مطبخ والدته لآخذ الطعام الذي ينقصني وهم لا يحترمونني، والأم دائما تضغط علي بكلام غير مباشر يجرحني إلى أن وصل الحال أن أمه وأخواته لا يقفون للسلام علي، ومنذ ذاك اليوم وأنا في شقتي في الدور الثالث، لا أكثر زيارتهم، ولكن زادت المشاكل، فأنا أمر عليهم كل يوم عند ذهابي لدوامي وألقي السلام ولكن لا أحد يرد علي لا الكبار ولا الصغار، بل وهم يتعمدون إهانتي يريدونني أرمي النفاية في الخارج مع العلم أنه يوجد خادمة في البيت تفعل ذلك، وأنا امرأة منتقبة ولكنهم يتعمدون إخراجي للشارع لرمي النفاية فعلتها مرة واحدة فقط، وتدخل زوجي بالرفض، والدة زوجي دائما إذا قمت بزيارتها تذكرني بالضغوط التي مررت بها مع زوجي في بداية زواجنا، وكأنها تقول أنا من قلت له يضغط عليك، صبرت ولكني كنت أتحاشى كثرة الجلوس معها.
وإذا كان زوجي موجودا تقول له بدأ العد التنازلي أي طلقها، دائما تأمره بطلاقي مع العلم أني لم أغلط بحقها، وذات مرة وأنا على الدرج في طريقي أريد ان أجلس معها سمعتها تشوه صورتي عند والد زوجي، وقالت عني كلمات بذيئة، وقامت بقذفي أي قذف المحصنات الغافلات، وقالت أني لا أضع البوشيه إذا رأيت أخا زوجي الأكبر وهذا كله بهتان، ولم ينكر والد زوجي الكلام مع علمه أن هذا لم يحدث أمام عينيه، وهم كلهم يعلمون أني لا افعل ولكنهم ظلموني وصبرت كما صبرت عندما زوجي في يوم من الأيام وأنا نائمة أتاني في دبري، وأنا كنت نائمة فلما أحسست استيقظت وأبعدته عني قام يضرب رأسه ويقول إنه لا يحس بنفسه وغيره، ولكني لم أقم بشيء إلا أني قمت بتهدئة روعه مثل أي امرأة عاقله وسامحته، وأنا والله يا شيخ من ذلك اليوم إلى الآن وأنا في بطني غازات، وذهبت إلى طبيبة وكشفت علي، وقالت ربما زوجك جرح القولون، وأعاني من انتفاخ البطن بالغازات، وعندما أدخل دورة المياه تأتيني عوارض كثيرة، وتغيرت عندي أشياء كثيرة، أنا تأذيت كثيرا بعد ذلك اليوم، ولكني سامحته يا شيخ، وتعبت نفسيتي بعد ذلك اليوم، وكرهت نفسي، وأحسست أني حيوان أكرمك الله، وقمت وأصبحت عصبية وكسرت الصحون وذهبت عند أهلي لم أشكوه عندهم، بل قلت أنا مجنونة كسرت الصحون، ولم اذكر لهم شيئا، لأنني لا أريد تشويه سمعته، وأيامها أمي كانت تتعالج بالخارج، وكان يتعمد إذا رآني غاضبة يذكرني بمرض أمي أستغل مرض أمي كي أسكت على حالي وسكت لأني ومن البداية لا أريد الطلاق صبرت على فقره وساعدته من راتبي وتحملت أقساط سيارته، وإذا صار معي نقود أشتري له أغلى الملابس وأغلى الساعات والبخور وأفضله علي، ومع ذلك ومع إساءات أهله وضرب أخته لي وتعديها علي ثم افتراؤها علي، بأني أنا التي ضربتها تبلت علي وظلمتني وإصرار أمه على تطليقي تركني ببيت أهلي إلا أن ذهب والدي لطلب ورقة الطلاق، أنا والله يا شيخ إني حافظه أسراره ودائما أمدحه عند أهلي وأزين صورته وحافظته بالغيب، لا أخرج إلا بعلمه، ولا أحد يعلم أي شيء صغير عن حياتنا، اعترف لي أن أهله من زوجه وهو غير مقتنع بفكرة الزواج، والآن يريد أن يطلق كأن بنات الناس لعبة. أرجوك يا شيخ أفتني ؟ هل أنا أذنبت وما ذنبي؟ وما رأي الشرع بما فعله زوجي لي ؟ وما رأي الشرع بما فعله أهل زوجي؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا يجوز للزوج أن يفشي أسرار زوجته لأي أحد حتى لوالديه لأن إفشاء السر خيانة للأمانة، وإذا ترتب عليه ضرر فهو حرام.

قال صاحب الإنصاف: قال في أسباب الهداية: يحرم إفشاء السر. وقال في الرعاية: يحرم إفشاء السر المضر. انتهى.

قال الغزالي في الإحياء: وإفشاء السر خيانة وهو حرام إذا كان فيه إضرار، ولؤم إن لم يكن فيه إضرار. انتهى

وأما إفشاء أسرار الفراش وما يكون بين الرجل وأهله فهذا حرام بلا خلاف، بل جاء في الحديث الصحيح تشبيه من يفعل هذا بالشيطان.

وما فعله زوجك من إتيان الدبر كبيرة من كبائر الذنوب التي توجب لعنة علام الغيوب، لكن طالما أنه تبرأ من فعله ونسب نفسه أثناء الفعل إلى الغفلة والسهو، فاقبلي منه ذلك، وكلي أمره إلى من يعلم السر وأخفى.

وأما ما يحدث من أهله من محاولات الإفساد بينك وبين زوجك فهذا حرام، وهذا عين التخبيب الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ليس منا من خبب امرأة على زوجها. أخرجه أحمد واللفظ له والبزار وابن حبان في صحيحه.

وقد عده بعض العلماء من الكبائر جاء في كتاب: الزواجر عن اقتراف الكبائر: الكبيرة السابعة والثامنة والخمسون بعد المائتين: تخبيب المرأة على زوجها : أي إفسادها عليه ، والزوج على زوجته. انتهى

وما تطلبه أمه منه أن يطلقك منكر، وليس عليه أن يجيبها في ذلك، وعلى الأم أن تتقي الله، فواجبها أن تحافظ على أسرة ابنها لا أن تكون معول هدم لها، وكذا ما كان منها من اتهامك بالباطل.

فقد قال الله سبحانه: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا {الأحزاب: 58}

قال ابن كثير: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا أي: ينسبون إليهم ما هم بُرَآء منه لم يعملوه ولم يفعلوه، { فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } وهذا هو البهت البين أن يحكى أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه، على سبيل العيب والتنقص لهم. انتهى

وكل ما قام به أهل زوجك من تعمد إهانتك وضربك من الظلم والعدوان، والعجب أن الظالم يسول له الشيطان أنه يشفي نفسه من خصمه، والحقيقة أنه لا يكسب من وراء ظلمه إلا الخيبة في الدنيا والآخرة. قال الله سبحانه "وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا {طه : 111}

وعدم رد السلام معصية ومخالفة لأمر الله سبحانه، فإن الله قد أوجب رد السلام فرضا، قال سبحانه: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا {النساء:86} وعليه فمن ترك رد السلام بلا عذر فهو آثم تارك لما أوجبه الله سبحانه.

قال النووي رحمه الله في المجموع: وأما جواب السلام فهو فرض بالإجماع. اهـ

ولكن لا ينبغي لك أن تغضبي من عدم قيامهم لك عند السلام، فقد ورد الوعيد الشديد لمن أحب أن يقوم له الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يتمثل له الناس قياما، فليتبوأ مقعده من النار. رواه أبو داود والترمذي وغيرهما وصححه الألباني.

وقد كان الصحابة على ما هم عليه من حبهم لرسول الله وإجلاله وتعظيمه لا يقومون له إذا دخل لما يعلمون من كراهيته لذلك، فعن أنس قال: لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك. رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني.

ومع ظلمهم هذا وعدوانهم فإنا نوصيك بالصبر عليهم، والعفو عنهم. فمن عفا وأصلح فأجره على الله، ولا شك أن ما أنت فيه فتنة شديدة، وما قوبلت الفتن بمثل الصبر عليها واحتساب الأجر عند الله سبحانه.

فقد قال سبحانه: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا {الفرقان : 20}.

يقول ابن القيم رحمه الله: فليس لمن قد فتن بفتنة دواء مثل الصبر، فإن صبر كانت الفتنة ممحصة له ومخلصة من الذنوب، كما يخلص الكير خبث الذهب والفضة، فالفتنة كير القلوب ومحك الإيمان، وبها يتبين الصادق من الكاذب. انتهى.

وتذكري دائما أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني