الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الغضب المحمود والغضب المذموم

السؤال

لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغضب ..إذ جاء في حديث لأبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال لرجل لما قال له أوصني ..قال له لا تغضب ..
لكن إذا ما انتهكت محارم الله .. ألا يحق للمسلم أن يغضب لله تعالى؟ .. وما هي الصور المشروعة للتعبير عن هذا الغضب ؟..وما حدود ذلك ؟ أفيدوني بارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمن الغضب ما هو محمود مثاب فاعله، كالغضب الذي ذكره السائل: إذا انتهكت حرمات الله، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغضب لنفسه، فإذا انتهك شيء من حرمات الله تعالى لم يقم لغضبه شيء. قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن ينتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل. متفق عليه. كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 68332.

فمن الإثم أن يرى المسلم حرمات الله تنتهك وهو قادر على الإنكار، ويغلب على ظنه عدم حدوث منكر أكبر من جراء إنكاره، ثم يسكت ولا ينكر ولا يغضب لله تعالى ؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.

وقال أيضا صلوات الله وسلامه عليه: ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل. رواه مسلم. وراجع الفتوى رقم: 52888.

ومن فوائد هذا الغضب أنه يقلل المنكرات وتُحفظ به حدود الله، وتحصل به النجاة من العقوبات الإلهية لأهل الفساد، كما قال تعالى: وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ {البقرة: 251}.

وقال عز وجل: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ {الأعراف: 165}.

وقال سبحانه: فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ {هود: 116-117}.

وقال صلى الله عليه وسلم: مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا. رواه البخاري.

وقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وحسنه الألباني.

ومن المعروف أن المنكر لا يستشري في الأمة إلا بسبب غياب الذين يغضبون لله وفي الله، المنكرين الصادعين بالحق والصابرين على ما يلقونه في سبيل ذلك. ولذلك لم يختلف أهل العلم في وجوب تغيير المنكر، فهو من فروض الكفاية وقد يتعين في أحوال، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 60434، . والفتوى رقم: 43762.

وأما الصور المشروعة للتعبير عن هذا الغضب فهي ما يعرف بمراتب تغيير المنكر، وقد سبق بيان ذلك مع ذكر ضوابطه، في الفتاوى التالية أرقامها: 22063، 26058، 9358، 36372، 63316.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني