الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جواب شبهة حول حرمة إتيان النساء في أدبارهن

السؤال

عند السؤال عن جماع الزوجة في الدبر يرد عليك بمجموعة من الأحاديث الضعيفة. والواضح أن هذا الأمر كما قال الشافعي: لم يثبت فيه التحليل أو التحريم والأصل فيه الإباحة. ومالك أحله. وهناك حوار للشافعي في نيل الأوطار ج3 يثبت بالعقل أنه مباح. وإليك جزءا من هذا المبحث: بقيت مسألة في هذا الموضوع ما أحببت أن أتحدث فيها إلا لما رأيت من كثرة اختلاف الناس حولها ، ألا وهي جماع المرأة في دبرها أي من الخلف، وقد اختلف الناس قديما وحديثا حول هذا الموضوع أهو حلال أم حرام؟ أقول وبالله التوفيق: إن جماع المرأة في دبرها من الخلف حلال ومباح ولا إثم فيه، ولم يرد نص في كتاب الله يحرم ذلك ، قال تعالى: وقد فصل لكم ما حرم عليكم، ولا يوجد في كتاب الله تفصيل حرمة إتيان النساء الزوجات في أدبارهن، بل إن هناك نصا في كتاب الله يبيح ذلك، قال تعالى: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم والحرث في اللغة هو: الزرع والمتاع ، والزرع هو مكان النبات وفيه كناية عن إنجاب الأولاد . أما المتاع في اللغة فهو: الشيء الجيد ، والسرور، والانتفاع الطويل ، وتمتع بالشيء : دام له ما يستمده منه ، وكما هو معروف أن اللفظ يؤخذ على عمومه ما لم يأت نص أو سياق يخرجه عن عمومه ، فالمرأة حرث للرجل أي موضع إنبات الولد ، ومتاع له : أي شيء جيد ومصدر لسرور الرجل والانتفاع الطويل الدائم لما يستمده منها من منفعة ، فاختيار معنى واحد من معاني الحرث وفرضه على الناس دون نص أو سياق من النص فهو تخصيص ما أنزل الله به من سلطان، ومن قال إن الاستمتاع بدبر المرأة حرام لزمه أن يحرم وضع الذكر في أي مكان من جسد المرأة غير الفرج ، وبالتالي يحرم أن يضع الرجل ذكره بين فخذيها أو بين رجليها أو بين ثدييها أو أن تمسكه بيديها وهذا ما لم يقل به أحد ولم يحرمه أحد . أما لفظ " أني" الذي ورد في قوله سبحانه: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم. ومفهوم هذه الآية طبقا للغة العربية نساؤكم حرث لكم أي موضع إنبات الأولاد ومتاع لكم أي سرور ومنفعة دائمة ، وللرجل أن يتمتع بها أنى شاء أي أين وكيف ومتى شاء إلا في وقت الحيض وأثناء الاعتكاف في المساجد ، ولفظ أنى معناه كما أتي في جميع كتب اللغة العربية كالآتي :
جاء في المعجم الوجيز أنى : تكون شرطية بمعنى أين ، واستفهامية بمعنى من أين كما جاء في القرآن [يا مريم أني لك هذا] بمعنى من أين لك هذا ؟ وبمعنى كيف جاء في القرآن [أنى يحيي هذه الله] أي كيف يحيي هذه الله.
وفي كتاب: شرح المفصل لابن يعيش تأتي للمجازاة أي للمكافأة كقول الشاعر:{فأصبحت أنى تأتيها تشتجر بها} فتكون بمعنى أين، وأين ظرف مكان مبني على الفتح وأنى في هذه الآية بمعنى أين وليس بمعنى الاستفهام بل هي في الآية ليست للاستفهام، فهي شرطية أو مجازية وفي كلا الحالتين تأتي بمعنى أين ، وأين ظرف مكان يعني فأتوا حرثكم أنى شئتم، أي في أي مكان شئتم في القبل أو الدبر، وكما هو معلوم عند أهل اللغة أن اللفظ في العربية يحمل ابتداء على العموم إلا إذا أتى نص يخصص ذلك أو يخصص من قبل السياق نفسه وعموم لفظ أنى في هذه الآية يقتضي: كيف ، ومتى ، وأين ، ومن أين ، ولا تخصص على موضع بعينه إلا بنص محكم من القرآن. كثير من الناس الذين يحرمون إتيان الزوجة في دبرها يربطون هذا الأمر بفعل قوم لوط ، ويقولون هذا هو نفس الفاحشة التي كان يرتكبها قوم لوط ، وللرد عليهم نقول: إنكم لو قرأتم ما ورد في القرآن عن قوم لوط لعلمتم خطأ قولكم وخطأ ربطكم بين قوم لوط وبين إتيان المرأة في دبرها، فقد وردت قصة قوم لوط في القرآن ثماني مرات ومن يقرأ النصوص التي وردت في قوم لوط لعلم أن الأمر غير ما يفهمون تماما ، ولا يصح مطلقا قياس فعلة قوم لوط على إتيان المرأة في دبرها ، فشتان بين قوم لوط وبين أن يأتي الرجل زوجته في دبرها من الخلف.
إن القياس بين فعل قوم لوط وبين جماع الزوجة في دبرها هو خطأ فادح، إذ إن قوم لوط لم تكن جريمتهم في الفعلة نفسها الجماع في الدبر، وإنما جريمتهم كانت في أن الرجل يفعل هذه الفعلة مع رجل مثله وليس مع امرأة ، فإنهم كانوا يشتهون الرجال من دون النساء، تلك هي جريمتهم ، وهذه هي الفاحشة التي أنكرها الله عليهم ونهاهم عنها لوط عليه السلام، ولما لم ينتهوا عن ذلك عاقبهم الله بأن دمر الله عليهم قريتهم وأرسل عليهم حجارة من سجيل وخسف بهم الأرض ،إذاً كانت جريمتهم اشتهاء الرجل للرجل ، وإعراضهم عن النساء والزوجات وعدم رغبتهم فيهن ، فهم تركوا النساء تماماُ ، وكان كل فعلهم مع الرجال أمثالهم ، ونصوص القصة التي وردت في القرآن تؤكد ذلك تماما ، ولنعرض ما جاء في شأن قوم لوط على محورين على النحو التالي :
المحور الأول: شهوتهم للرجال من دون النساء. قال تعالى إنكم لتأتون....

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالوطء في الدبر محرم بالكتاب والسنة، وهو قول أئمة المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وما روي خلاف ذلك عن بعضهم فليس موثوقاً فيه.

أما الكتاب فلقوله تعالى: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ. قال القرطبي : ومن بمعنى في ، أي في حيث أمركم الله تعالى وهو القبل. انتهى.

وقال ابن كثير: قال ابن عباس، ومجاهد، وغير واحد: يعني الفَرْج.

و قوله تعالى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ {البقرة:223}

قال السعدي: وفيه دليل على تحريم الوطء في الدبر، لأن الله لم يبح إتيان المرأة إلا في الموضع الذي منه الحرث. انتهى.

وقال البيضاوي: ومجيء { أنّى } بمعنى أين وكيف ومتى مما أثبته الجم الغفير، وتلزمها على الأول "مَنْ" ظاهرة أو مقدرة، وهي شرطية حذف جوابها لدلالة الجملة السابقة عليه، واختار بعض المحققين كونها بمعنى مِن أين أي من أي جهة ليدخل فيه بيان النزول، والقول بأن الآية حينئذ تكون دليلاً على جواز الاتيان من الأدبار ناشىء من عدم التدبر في أن "مَنْ" لازمة إذ ذاك فيصير المعنى من أي مكان لا في أي مكان فيجوز أن يكون المستفاد حينئذ تعميم الجهات من القدام والخلف والفوق والتحت واليمين والشمال لا تعميم مواضع الاتيان، فلا دليل في الآية لمن جوز إتيان المرأة في دبرها. انتهى.

أما قولك إن الأحاديث التي وردت في تحريم ذلك ضعيفة، وإنه لم يثبت فيه تحريم، فغير صحيح فقد صحّح العلماء أحاديث وردت في تحريم هذا الأمر، والتغليظ فيه، فمنها، قول رسول الله صلى الله عليه و سلم: لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها. رواه ابن ماجه، وصححه البوصيري، وحسنه الترمذي من حديث ابن عباس، وصححه إسحاق بن راهويه وابن الجارود وابن حبان وابن دقيق العيد، وصححه الألباني.

ومنها حديث أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: من أتى كاهنا فصدقه بما يقول، أو أتى امرأته حائضا، أو أتى امرأته في دبرها فقد برىء مما أنزل الله على محمد صلى الله عليه و سلم. رواه أبو داود، نقل المناوي عن الحافظ العراقي أنه قال في أماليه: حديث صحيح ، وعن الذهبي أنه قال : إسناده قوي وصححه الألباني.

وقال الشوكاني: ولا شك أن الأحاديث المذكورة في الباب القاضية بتحريم إتيان النساء في أدبارهن يقوي بعضها بعضا فتنتهض لتخصيص الدبر من ذلك العموم.

وأما ما نقل عن العلماء في ذلك فقال النووي: واتفق العلماء الذين يعتد بهم على تحريم وطء المرأة في دبرها ، حائضاً كانت أو طاهراً.

ولو صح نقل عن بعض أهل العلم فهو بمعنى إباحة إتيان المرأة من الدبر في قبلها وليس إتيانها في الدبر، قال ابن القيم في زاد المعاد: قلت: ومن هاهنا نشأ الغلط على من نقل عنه الإباحة من السلف والأئمة، فإنهم أباحوا أن يكون الدُّبر طريقاً إلى الوطء في الفرج، فيطأ من الدبر لا في الدبر، فاشتبه على السامع "من" ب "في" ولم يظن بينهما فرقاً، فهذا الذي أباحه السلف والأئمة، فغلط عليهم الغالط أقبح الغلط وأفحشه. اهـ.

والذي يدل على ذلك ما روي عن هؤلاء الأئمة خلاف ذلك، فهذا نص الشافعي -رحمه الله - في كتاب الأم: بابُ إتْيَانِ النِّسَاءِ في أَدْبَارِهِنَّ. قال الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قال اللَّهُ عز وجل { نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ } الْآيَةُ ( قال الشَّافِعِيُّ ) وَإِبَاحَةُ الْإِتْيَانِ في مَوْضِعِ الْحَرْثِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ تَحْرِيمَ إتْيَانٍ في غَيْرِهِ فَالْإِتْيَانُ في الدُّبُرِ حتى يَبْلُغَ منه مَبْلَغَ الْإِتْيَانِ في الْقَبْلِ مُحَرَّمٌ بِدَلَالَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ السُّنَّةِ

وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: وحكي ذلك عن مالك في كتاب له يسمى "كتاب السر". وحذاق أصحاب مالك ومشايخهم ينكرون ذلك الكتاب ، ومالك أجل من أن يكون له "كتاب سر" ثم قال : والصحيح في هذه المسألة ما بيناه. وما نسب إلى مالك وأصحابه من هذا باطل وهم مبرؤون من ذلك. اهـ

وأما تشبيه هذا الفعل باللواط ، فهو صحيح، وإن كان اللواط أفظع منه.

قال ابن تيمية: والله سبحانه حرم إتيان الحائض مع أن النجاسة عارضة في فرجها، فكيف بالموضع الذي تكون فيه النجاسة المغلظة، وأيضا فهذا من جنس اللواط.

وقال الشوكاني في نيل الأوطار: وأيضا قد حرم الله الوطء في الفرج لأجل الأذى، فما الظن بالحش الذي هو موضع الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل الذي هو العلة الغائية في مشروعية النكاح والذريعة القريبة جدا الحاملة على الانتقال من ذلك إلى أدبار المرد. انتهى.

وقد وردت تسمية هذا الفعل باللوطية الصغرى، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: هي اللوطية الصغرى. يعني وطء النساء في أدبارهن. أخرجه الطحاوي بإسناد صحيح والطيالسي والبيهقي.

وروي أن أول عمل قوم لوط كان بإتيان النساء في أدبارهن.

قال القرطبي: وروي عن طاوس أنه قال : كان بدء عمل قوم لوط إتيان النساء في أدبارهن.

و عند الطبري في تفسير قوله تعالى: وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ. الأعراف (82):عن ابن عباس في قوله:( إنهم أناس يتطهرون ) ، قال: من أدبار الرجال ومن أدبار النساء.

وللفائدة راجع الفتاوى أرقام: 21843، 15921، 8130.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني