الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فرضت عليها أمها مبلغا شهريا فهل تأثم إذا امتنعت

السؤال

أكتب إليكم طالبة الفتوى بموضوع شغل بالي وأتمنى أن تفيدوني بالعلم اليقين بما أفادكم الله. والدتي امرأة تعمل مدرسة ولها راتب شهري ثابت حوالي ال8,000 درهم إماراتي بالإضافة إلى ما تجنيه من العمل من الدروس الخصوصية حين تتوفر. طالبتني أنا وأختي منذ سنة أن نخصص لها راتبا شهري حوالي 4,000 درهم إماراتي وزادته منذ فترة إلى 4,500. من دون أي سبب كان وفرضته علينا وهددتنا بالضغط علينا أن لم نطعها. ونحن منذ أبريل 2008 إلى الآن ندفع لها هذا المبلغ. قالت لنا إن جميع أو معظم صديقاتها يفعلن نفس الشيء مع أولادهن بالرغم من أن الشخص الوحيد الذي يفعل هذا هي زميلتها في المدرسة التي توفي زوجها ولديها ولدان وابنتان الولدان يشتغلان وأحد البنات تدرس بالجامعة على كفالة صاحب المدرسة لأن الزوج المتوفى كان مديراً لإحدى المدراس التي تعمل بها والدتي وزميلتها زوجة المرحوم. تقول أمي إنها تريد الترفيه عن نفسها بهذه النقود كالسفر والسياحة، ولكنها لا تستطيع ذلك لأن لديها ركبة ضعيفة. بالإضافة إلى إعطائها مبلغ 15,000 منذ سنة لأخي مساهمة مني حين جاءتني زيادة.
أنا تزوجت في يوليو 2008 وما زلت أدفع لها بالرغم من المصاريف التي لدينا أنا وزوجي، وإننا نفكر في إنشاء عائلة بإذن الله تعالى. سؤالي هو أنني قلت لأختي إنني سأدفع لأمي هذه السنة أيضاً، ولكن حين يصبح لدي طفل بإذن الله سأخبرها بأنني لن أدفع لها بعد ذلك؛ لأنني سأدخر بعضا من المبلغ للطفل من أجل تأمين حياة أفضل له بالإضافة إلى المصاريف المتفرقة التي يحتاجها ولإخوانه إن شاء الله. وكتب لنا أن ننجب أكثر من واحد (2 أو 3 على حد أقصى بإذن الله) وبما أن تكاليف الحياة في الإمارات غالية جداً، وعلى الزوجة أن تساعد زوجها، فإن والدتي ترى أن إعطاءها هذا المبلغ مني (2,500 درهم إماراتي) ومن أختي 2,000 درهم إماراتي هو حق من حقوقها مع العلم أن لديها رصيدا في البنك يؤمن لها حياة كريمة ولديها عقار في سوريا، ولديها أسهم بالإضافة إلى راتبها الثابت الذي بالكاد تصرف منه لأن والدي أطال الله في عمره متكفل بإيجار البيت والمأكل ومعظم المصاريف بعكسي أنا حيث أساهم بدفع نصف الإيجار وبعض المصروفات لأن زوجي عليه ديون من جراء العرس ولأنه يكمل دراسته الجامعية. بالإضافة كانت أمي قد طالبتني أنا وأختي بأن نخصص إليها راتباً شهرياً حيت تتقاعد وتعود إلى سورية، وكنا قد وافقنا بالرغم من أن لديها مبلغا من المال كنت قد استثمرته لها وعاد إليها بالربح الوفير لتعيش حياة مرفهة في سوريا.
هل إذا غضبت أمي إن لم أدفع لها بعد سنة 2009 أحاسب، وهل إذا أصرت وبدأت بالسب والدعاء علي (لأنها كانت تنهرنا معظم الأوقات بالسب والدعاء علينا والصراخ منذ صغرنا هذا أسلوبها حين تغضب- أصبح مذنبة مع العلم أنني أحاول ادخار بعض المال جانباً للهجرة إلى كندا وإتمام دراساتي العليا ونيل شهادة الدكتوراه التي تصر عليها والدتي إصراراً شديدا لدرجة التهديد بقطع علاقتها بي إن لم أسجل في الجامعة هذه السنة مع أنها لن تساعدني في أي من المصاريف الباهظة للدكتوراه وتريدني أيضاً شراء بيت في سوريا ليكون لي عقار ملكي أنا.الرجاء إفادتي.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فجوابنا لك يتلخص في نقاط ثلاث:

النقطة الأولى: أنه لا يجوز لأمك أن تأخذ شيئا من مالك الخاص لا قبل زواجك ولا بعد زواجك لا في صغرك ولا في كبرك، طالما أنها مستغنية ومعها من المال ما يكفيها إلا ما تعطيه أنت لها بطيب نفس منك، وما أخذته منك ومن أختك تحت أسلوب الضغط والتهديد حرام لا يجوز. والواجب عليها أن ترد لكما كل ما أخذته منكما غصبا ودون رضاكما، إلا إذا تنازلتما لها عنه بطيب نفس، ولو أنك منعت ما تعطينه لها من الآن فلا حرج عليك ولا تأثمين في ذلك إن شاء الله. وأما تهديدها لكما بالدعاء عليكما فلا يجوز لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن دعاء الوالد على ولده فقال صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ... الحديث رواه مسلم عن عبادة بن الصامت.

ولو دعت وهي ظالمة فلا يستجاب لها؛ لأن دعاءها حينئذ دعاء بإثم وقطيعة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. رواه مسلم.

وهذا لا يتعارض مع الجزم المفهوم من قول الرسول الكريم في الحديث السابق: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن : دعوة الوالد على ولده... لأن الذي يظهر والعلم عند الله أن هذا مخصوص بالولد العاق المغالي في عقوقه وبغيه. قال في فيض القدير عند شرح هذا الحديث: ثم الظاهر أن ما ذكر في الولد مخصوص بما إذا كان الولد كافرا أو عاقا غاليا في العقوق لا يرجى بره. انتهى.

وننصحك مع هذا كله بإكرامها غاية الإكرام وبرها وطاعتها في المعروف، فإنها وصية الله ورسوله، ولها عليك وعلى إخوتك من الحقوق ما ليس لغيرها من سائر البشر

النقطة الثانية: ما تذكرين من إرادتك تحديد النسل والأصل في هذا الحرمة والمنع، وننصحك أن تصمي آذانك عن دعوى تحديد النسل التي تجتاح بلاد المسلمين، فإن الداعين إلى ذلك هم أعداء الأمة الذين يخالفون شريعة الله وفطرته التي فطر الناس عليها، وهم بذلك يريدون لأمة الإسلام أن يقل عددها حتى تصبح لقمة سائغة لأعدائها. وننبه على أن تحديد النسل خوف الفقر والإملاق ونظرا لغلاء الأسعار لا يجوز لما فيه من سوء الظن بالله رب العالمين الرزاق ذي القوة المتين. ولكن هناك حالات مستثناة يجوز فيها تنظيم النسل سبق بيانها وشروطها بالتفصيل في الفتوى رقم: 636.

النقطة الثالثة: سبق لنا حكم سفر المرأة للدراسة في بلاد الكفر في الفتوى رقم: 93564، وراجعي للأهمية الفتوى رقم: 2007 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني