الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موازنة الزوج بين علاقته بزوجته وعلاقته بأهله

السؤال

زوجي متعلق جداً بأهله لدرجة أنه ينسى حقي وحق ابنه ويفضل إخوته وأباه وأمه علي دائما أنا أفهم حق الوالدين وحق برهما لكن المشكلة منذ أن تزوجنا في شقة في بيت أهلي ونحن نبيت عندهم الخميس والجمعة وأيام الإجازات والأعياد وأنا كنت متضايقة من هذا الوضع لكن كنت أرضيه خوفا من المشاكل التي يعملها معي وتكشرته في وجهي دائما إلى أن حدثت مشكلة بيني وبين أمه بسبب طبق لم أغسله أكل فيه أخوه، واتصلت بأبي وأمي حتى يأتوا ليأخذوني وهي كادت أن تضربني ومشيت مع أمي وأبي وأخذت ابني بعد أن كانوا سيمنعونني أن آخذه وانهارت أعصابي، المهم لم يسأل عني ولا على ابنه شهراً كاملا وبعده أصلح بيننا رجل طيب فقررت عدم المبيت عندهم بسبب هذا الموقف وبسبب أيضا أن إخوته شباب وأنا لا آخذ حريتي عندهم ويبيت هو وحده وأزورهم يوم الجمعة ليروا حفيدهم ولا أحرمهم منه، إلا أن زوجي عاد يتشاجر معي كي أبيت معه عند أهله وأنا أرفض مع العلم أني أعمل معه في نفس مكان عمله وأحصل علي نفس مرتبه والسكن في شقتي وأسهم في مصروف البيت بطريقةغير مباشرة ومستواي الاجتماعي أعلى منه، لكني والله لا أريد أن يسيطر الشيطان على بيتي ولا أريد الطلاق حتى لا أفرحه، لكن لا أجد حلا مع زوجي والله أنا أدعو له كثيراً، لكن هو على طول مكشر في وجهي ويعمل معي مشاكل باستمرار ويترك البيت ويذهب عند أهله شهرين وثلاثة وأنا أصبر حتي يستمر زواجي لكن أنا تعبت وقررت أن أنفصل عنه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الإسلام قد كفل للزوجة حقوقاً يجب على الزوج الوفاء بها، وجعل للوالدين والأقربين حقوقاً يحرم تضييعها والتفريط فيها، ومن المعلوم أنه ينشأ أحياناً بين الزوجة وأهل زوجها شيء من الغيرة فيظن أهل الزوج أن الزوجة قد أخذت ابنهم منهم، وتظن الزوجة أن الزوج يميل إلى أهله ويفضلهم عليها، والزوج له دور كبير في معالجة مثل هذه الأمور، فعليه دائماً أن يوازن في العلاقة بين زوجته وأهله، فحق الأهل على الزوج البر والصلة، والمعاملة الكريمة، والنفقة على الوالدين إن كان للولد مال، وكان الوالدان في حاجة، وأن يصل أقاربه بالعطاء من الصدقة والزكوات إن كانوا من الفقراء.

وحق الزوجة على زوجها أن يعاشرها بالمعروف وأن يوفر لها حياة هادئة بعيدة عن المنغصات وحقها أيضاً أن يحفظ لها خصوصياتها وأسرارها وسائر شؤونها، وألا يسمح لأحد أن يتدخل في أمورها بما يجلب الشقاق ويعود بالفساد.. فلا يحق للأم مثلاً أن تتدخل في شؤون الزوجة ولا أن تفرض سيطرتها على الزوجة، بحكم أنها زوجة ابنها، ولا أن تلزمها بخدمتها أو خدمة غيرها من أهل الزوج لأنه لا يلزم الزوجة إلا خدمة زوجها فقط.

وأما ما يكون من زوجك ومن عبوسه دائماً في وجهك وتركه للبيت فترة طويلة تصل إلى الشهرين والثلاثة فهذا حرام لا يجوز لأنه ينافي المعاشرة بالمعروف التي أمره الله بها في قوله: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ {النساء:19}، وقوله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ {البقرة:228}، وقد جعل العلماء أن هجر الزوجة دون موجب مما يبيح لها طلب الطلاق.

قال الدردير في الشرح الكبير: ولها أي للزوجة التطليق بالضرر، وهو ما لا يجوز شرعاً كهجرها بلا موجب شرعي، وضربها كذلك وسبها وسب أبيها نحو: يا بنت الكلب، يا بنت الكافر، يا بنت الملعون، كما يقع كثيراً من رعاع الناس ويؤدب على ذلك زيادة على التطليق، كما هو ظاهر وكوطئها في دبرها. انتهى.

وأيضاً فإنه لا يجوز للزوج أن يطلب منك أن تبيتي في بيت أبيه كل أسبوع يوماً أو يومين طالما أن إخوته الذكور يعيشون في البيت وهذا لا شك يؤثر على راحتك وحريتك، لكونهم ليسوا من محارمك... وأما ما تبذلينه من سكن وإنفاق على البيت فهذا مما تؤجرين عليه إن شاء الله وإن كان هذا لا يجب عليك أصلاً بل السكن والنفقة الكاملة حق واجب على الزوج وحده، لكن إن كان قد اشترط عليك شيئاً من راتبك مقابل سماحه لك بالعمل فعليك أن توفي له به لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم.. رواه البخاري ومسلم.

وعلى كل فإنا نوصيك بمزيد من الصبر على زوجك وعلى جفائه، ولا مانع من أن توسطي أحداً من أهل الخير والصلاح ليكلمه ويعظه، هذا مع الإكثار من الدعاء والنصح له فإن الحياة الزوجية لا تخلو من مشكلات وهنات ولكنها على كل خير من الفرقة والطلاق، وقد قيل: كدر الزواج خير من صفو الطلاق.

أما إن زاد الأمر عن حده وتجاوز المدى ولم تطيقي صبراً فلك حينئذ طلب الطلاق إن أردت، وفي النهاية ننبهك على أنه لا ينبغي لك أن تنظري لنفسك على أنك أعلى من زوجك في الوضع الاجتماعي أو غيره من حطام الدنيا الزائل فهذا كله لا يزن عند الله جناح بعوضة وإنما التفاضل عند الله سبحانه بالتقوى والعمل الصالح، قال سبحانه: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات:13}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني