الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الوسوسة في النية وعلاجها

السؤال

بعد التحية العطرة:
أنا أعاني من الوسواس القهري وأحيانا تأتيني أفكار لا تليق بذات الله العلية بطريقة نغصت علي حياتي، فمثلا عندما أريد أن أفعل شيئا معينا يفيدني في ديني أو دنياي أو أقدم على عبادة معينة كالغسل مثلا فإني أحب أن أنوي في قلبي أن هذا العمل لله حتى لو لم يتطلب العمل نية حتى يكون العمل كله لله وأحرص عليها بالطبع في حالة الغسل لأنه عبادة تتوجب نية، المهم أنه أحيانا عندما أشرع باستحضار النية أجد وسواسا قبيحا يرافق استحضار النية وخدعني الشيطان فترة من الزمن فكنت أعمد إلى تجديد النية حتى يروح عن صدري ذلك الضيق الذي أجده بسبب مرافقة الوسواس لاستحضار النية ولكني بحمد الله أقنعت نفسي بعد ذلك أنه لا يجب أن أنقض النية ثم أجددها لأني لست مسؤولا عن تلك الوساوس فإنه لا يقطع النية إلا من يرى ويتأكد أنه قصد تلك الوسوسة فحينها يجب أن يستغفر ويجدد نيته .. ورأيت أني أسير خلف الشيطان في ذلك الأمر وخداعه لي بأن لي دورا في الوسوسة ولكن ذات مرة من المرات كنت أستحضر النية لعمل خير وهو ممارسة الرياضة والجد في عملي لكي يكون العمل لوجه الله وليبارك الله فيه .. فرافق استحضار النية وسواس قبيح مما تعلمون .. وهززت رأسي استنكارا لها واستغرق الأمر وقتا قليلا، المهم فلما أردت نسيان الأمر والانتهاء من ذلك جاءني خاطر يقول لعلك تكون نقضت النية وبهذا تحتاج لتجديدها فلما أردت تجديدها جاءني خاطر آخر ولماذا تجددها هل تعمدت الوساوس لأنه لا يجدد النية إلا من تعمد تلك الوساوس القبيحة يجب أن تتأكد من انك نقضتها أولا ثم تستغفر وتجدد النية..فخفت أن أجدد النية تهيبا لفكرة اني أكون تعمدت السوء والعياذ بالله أو هكذا صور الشيطان لى .
فعمدت إلى فحص شريط الأحداث لأتأكد هل نقضت النية أم لا ... وأنا أفعل ذلك شعرت بأني أفعل شيئا خطأ لأنه لا ينبغي أن أفخص شريط الأحداث لأن فيه الأفكار السيئة التي جاءتني وغيرها.
وهنا أهم نقطة أتمنى أن تركزوا في الرد عليها لأنها أشد ما يهمني في الموضوع:
وذلك لأني وقعت في حيرة كيف لى أن أعرف أني نقضت النية أم لا بدون تفحص شريط الأحداث، فقلت لنفسي طالما غير متأكد من أني قد نقضتها فإني على الأصل وهو أني قد نويت ولكن أرجع فأقول لنفسي ولكنى قصرت في البحث والتأكد من نقض النية من عدمه فلعلي أكون قد نقضتها وبذلك أكون مستمرا على ذلك النقض .. ولكن كيف أبحث في نقض النية من عدمه بدون تذكر شريط الأحداث فأنا وقعت في أمر نقيض فلا أنا قادر أن أقر نفسي على أني ما زلت على النية لأن الشك لا ينفي اليقين .. وسبب عدم الارتياح هذا أني أظن أنه يجب أن أبذل جهدي أولا لأتحقق من أنه شك، وهذا يستدعي فحص شريط الأحداث والأفكار لأبحث هل فعلا نقضت النية أم لا؟ ولا أنا قادر أن أبحث شريط الأحداث لأني أراه منافيا للإعراض عن الوسواس وتوابعه كلها وخصوصا أني لا أريد أن أمر على الوساوس الحقيرة مجرد المرور..
فبالله عليكم ما الحل الشرعي في تلك النية وكيف أقر نفسي على أنها باقية على الأصل لأن الشك لا ينفي اليقين وأنا لم أفحص شريط الأحداث لأتأكد من أن فكرة نقضها ليست إلا مجرد شك..
أتمنى من الله أن تفصلوا في الرد حتى أفهم جيدا الرد الشرعي بارك الله فيكم وفرج الله كروبكم في الدنيا والآخرة..

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن ما ذكره السائل عن نفسه من التحري الشديد في استحضار النية، ليدل دلالة قاطعة لا تقبل الشك ولا مجرد الفكر والمراجعة أنه نوى وأن نيته مستمرة. فما الذي يعرض لك إلا حديث نفس أو وسوسة، يريد الشيطان بها أن يوقعك في الحرج والشقة والعناء والتعب، وهذه أمور منفية في الشريعة الغراء، وقد نص القرآن على أن مراد الله الشرعي ـ وهو الذي يحبه الله ويرضاه لعباده- إنما هو التيسير ورفع الحرج عن عباده، كما قال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ {البقرة: 185}.

وقال: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ {المائدة: 6}.

وقال: هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ {الحج: 78}.

وكذلك كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ، إِنَّ خَيْرَ دِينِكُمْ أَيْسَرُهُ. رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وصححه الألباني.

وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا. رواه البخاري.

قال ابن حجر: وَالْمَعْنَى لَا يَتَعَمَّق أَحَد فِي الْأَعْمَال الدِّينِيَّة وَيَتْرُك الرِّفْق إِلَّا عَجَزَ وَانْقَطَعَ فَيُغْلَب. قَالَ اِبْن الْمُنِير: فِي هَذَا الْحَدِيث عَلَم مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة, فَقَدْ رَأَيْنَا وَرَأَى النَّاس قَبْلنَا أَنَّ كُلّ مُتَنَطِّع فِي الدِّين يَنْقَطِع.... وَفِي حَدِيث مِحْجَن بْن الْأَدْرَع عِنْد أَحْمَد: إِنَّكُمْ لَنْ تَنَالُوا هَذَا الْأَمْر بِالْمُغَالَبَةِ، وَخَيْر دِينكُمْ الْيَسَرَة. وَقَدْ يُسْتَفَاد مِنْ هَذَا الْإِشَارَة إِلَى الْأَخْذ بِالرُّخْصَةِ الشَّرْعِيَّة، فَإِنَّ الْأَخْذ بِالْعَزِيمَةِ فِي مَوْضِع الرُّخْصَة تَنَطُّع. اهـ.

والمقصود أن ننبه السائل الكريم على أن تشديده على نفسه من هذا الباب من الوسوسة المذمومة، وهي باب مشهور للوقوع في العنت والمشقة، فلا تفتح على نفسك هذا الباب حتى لا تكون فريسة للشيطان، يلبس عليك ويصرفك عن أعمالك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ. قَالَهَا ثَلَاثًا. رواه مسلم.

قال النووي: أَيْ الْمُتَعَمِّقُونَ الْغَالُونَ الْمُجَاوِزُونَ الْحُدُود فِي أَقْوَالهمْ وَأَفْعَالهمْ. اهـ.

فأفضل علاج لهذه الوسوسة هو عدم الالتفات إليها؛ لأن الاسترسال فيها سبب لرسوخها وتمكنها، وراجع علاج الوسواس القهري في الفتوى رقم: 3086 . ويمكن للفائدة مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 10355، 54808، 64649.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني