الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل كان أبو إبراهيم عليه السلام موحدًا؟

السؤال

هل كان والد النبي إبراهيم عليه السلام موحداً؟
إن عنوان الأب كما يطلق على الأب، فإنه يطلق على غيره كالعمّ أيضاً، وهذا هو منشأ الترديد في قضية النبي إبراهيم من أن أباه هل كان آزر عابد الوثن أم لا؟ فالذي يظهر من الآية: وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناماً آلهة،1 والآيات 42 من سورة مريم، و 52 من سورة الأنبياء، و 70 من سورة الشعراء، و 85 من سورة الصافات، و 26 من سورة الزخرف، و 114 من سورة التوبة و غيرها، أن أبا النبي إبراهيم لم يكن موحداً؛ أما أن هذا الأب هل هو نفس الوالد أم غيره؟ وهل أن والد النبي إبراهيم هل كان موحداً أم لا؟، فلا يمكن استظهار أي واحد من هذين المطلبين من الآيات المشتملة على عنوان الأب؛ ولكن يمكن استنباط كلا المطلبين من آية أخرى متضمنة لكلمة الوالد لا كلمة الأب؛ فيمكن معرفة أن آزر عابد الوثن لم يكن والد النبي إبراهيم، وأن الشخص الآخر الذي هو والد النبي إبراهيم والذي لم يذكر اسمه في القرآن، كان موحداً، لا مشركاً؛ فقد قال الله: ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى. وقال تعالى: وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه، فلما تبيّن له أنه عدو لله تبرأ منه. أي: لم يستغفر له بعد ذلك. وقد قال النبي إبراهيم -عليه السلام- في دعاء له في عهد الكبر، وفي أواخر حياته: ربنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب.
ومن هنا يمكن استنباط المطلبين المشار إليهما: أحدهما هو أن آزر عابد الوثن لم يكن والد النبي إبراهيم؛ لأنه تبرأ من آزر بعد أن تبين له شركه وعداؤه مع الله، ولم يستغفر له بعد ذاك، والمطلب الآخر أنه استغفر لوالديه في عهد الكبر، فيظهر أنهما كانا يستحقان الاستغفار؛ أي كانا كسائر المؤمنين من أهل الإيمان لا من أهل الشرك.
والسؤال: ما صحة هذه الأقوال؟
جزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد سبق أن بينَّا أن آزر هو والد إبراهيم -عليه السلام- وأنه مات على الكفر، وذلك في الفتوى: 15511.

وأما الدعاء المذكور في سورة إبراهيم لوالديه، فكان قبل أن يتبين له أن أباه عدوّ لله، كما في آية سورة براءة، وهو ما رجحه المحققون من أهل التفسير، قال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري: وهذا دعاء من إبراهيم -صلوات الله عليه- لوالديه بالمغفرة، واستغفار منه لهما. وقد أخبر الله -عزَّ ذكره- أنه لم يكن اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ. اهـ.

وقال الألوسي في روح المعاني: رَبَّنَا اغفر لِي: أي ما فرط مني مما أعده ذنباً، وَلِوَالِدَيَّ: أي لأمي وأبي، وكانت أمه على ما روي عن الحسن مؤمنة فلا إشكال في الاستغفار لها، وأما استغفاره لأبيه: فقد قيل في الاعتذار عنه إنه كان قبل أن يتبين له أنه عدو لله سبحانه، والله تعالى قد حكي ما قاله عليه السلام في أحايين مختلفة، وقيل: إنه عليه السلام نوى شرطية الإسلام والتوبة.. وقيل: أراد بوالده نوحاً عليه السلام، وقيل: أراد بوالده آدم، وبوالدته حواء عليهما السلام، وإليه ذهب بعض من قال بكفر أمه. اهـ.

وأما المعنى الذي أشرت إليه، فقد ذهب إليه بعض المفسرين، وله حظ من النظر، لكنه مرجوح بما ذكرنا من أقوال المحققين من أهل العلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني