الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كتب قطعة أرض باسم بعض أولاده لأنهم يعملون معه

السؤال

سؤال : لدي أب له تركة ولا يعمل في التركة إلا اثنان من إخواني، واثنان لم يعملا معه، فقام على كتب الأرض الذي يشتريها لإخواني الاثنين بأسمائهم، وكتب مكينة حراثه بأسمائهم، ونحن لم يكتب لنا شيئا، مع العلم أن هؤلاء إخوتي أشقاء، وبحجة أن إخواني الاثنين يعملان معه في المزرعة، ونحن مشتغلون في الوظيفة مع الدولة، وذلك لأن لدينا أسرا وعيالا، وهو غضبان علينا. فما حكم الشرع في ذلك؟ وهل دعوته تستجاب عندما يدعو علينا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما فعله أبوك من كتابة الأرض باسم إخوتك لا يخلو من حالتين:

الحالة الأولى: أن يكتبها باسمهم، ويملكها لهم حال الحياة، ويخلي بينهم وبينها حتى يحوزوها إلى أملاكهم فهذه هبة، وهي لا تجوز، لأنه يجب على الوالد أن يسوي بين أولاده في العطية والهبة لما في تفضيل بعضهم على بعض من إيغار صدورهم وإغراء بعضهم وزرع العداوة والبغضاء بينهم، جاء في حديث النعمان بن بشير قال: تصدق عليَّ أبي ببعض ماله، فقالت أمي عمرة: لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ قال: لا. قال: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. متفق عليه.
وفي لفظ لمسلم:
ثم قال: أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: بلى، قال: فلا إذن .

ولكن نص أهل العلم على أنه يجوز تفضيل بعض الولد بهبة لمعنى يقتضي ذلك.

جاء في المغني: فإن خص بعضهم لمعنى يقتضي تخصيصه مثل اختصاصه بحاجة أو زمانة أو عمى أو كثرة عائلة أو اشتغاله بالعلم أو نحوه من الفضائل أو صرف عطيته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها فقد روي عن أحمد ما يدل على جواز ذلك. انتهى.
وعلى ذلك، فإذا لم يكن هناك مقتضى للتخصيص من نحو ما ذ كر فإنه يحرم على أبيك ما صنعه، ويجب عليه استرداد هذه الأرض منهم، أو يعطيكم مثل ما أعطاهم. وكونهم يعملون معه في هذه الأرض لا يسوغ فعله؛ لأنه يقدر على بذل أجرة لهم مقابل العمل أو يخصهم بقدر من الأرض مقابل أجرتهم. أما أن يكتبها لهم هكذا فلا يجوز.

الحالة الثانية: أن يكون قد كتب لهم هذه الأرض وأضاف تمليكها لهم إلى ما بعد موته فهذه تعد وصية لوارث، وهي باطلة ما لم يجزها الورثة، لحديث: لا وصية لوارث. رواه أحمد.

أما بخصوص دعوة الوالد على ولده فالظاهر من النصوص أنها مستجابة إذا كان الولد عاقا أو ظالما لأبيه كما في الحديث: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة الوالد، ودعوة المسافر. رواه أحمد وأبو داود وحسنه الأرنؤوط والألباني.

ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الوالد على ولده، فقال: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم.. الحديث. رواه مسلم.

أما إذا لم يكن الابن عاقا ولا ظالما فإنه لا تستجاب دعوة الوالد عليه إن شاء الله؛ لأنها حينئذ من باب الإثم والعدوان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. رواه مسلم.

وهذا لا يتعارض مع الجزم المفهوم من الحديث السابق الذي قطع بإجابتها؛ لأن الذي يظهر -والعلم عند الله- أن هذا مخصوص بالولد العاق المغالي في عقوقه وبغيه.

قال في فيض القدير عند شرح هذا الحديث: ثم الظاهر أن ما ذكر في الولد مخصوص بما إذا كان الولد كافرا أو عاقا غاليا في العقوق لا يرجى بره. انتهى.

وننصحك أيها السائل بالبر بوالدك والإحسان إليه والرفق به في كل الأحوال، حتى وإن ظلمك ومنعك حقوقك.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني