الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل تجب الزكاة في الحلي في وزنه أم في قيمته

السؤال

هل تخرج زكاة الذهب والفضة التي على شكل حلي وجواهر بالقيمة أم بالوزن، وما الفرق بين الحالتين؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فننبهكَ أولاً إلى ضرورة استحضار خلاف العلماء في الحلي المعد للاستعمال المباح عند الخوض في هذه المسألة، وقد فصلنا أقوال العلماء في هذه المسألة في الفتوى رقم: 113239 والفتوى رقم: 1325.

ثم اعلم أن الحلي إن كان مما تجبُ فيه الزكاة كأن كان معداً للادخار والقنية، أو كان مالكه يرى وجوب الزكاة فيما كان معداً للاستعمال المباح منه، أو كان محرماً، فهل تجب الزكاة في وزنه أو قيمته؟ في المسألة تفصيل، فإن كان الحلي معداً للتجارة فإن الزكاة تجب في قيمته، فإن لم يبلغ بوزنه نصاباً، وبلغ بقيمته وجبت فيه الزكاة، وإن لم يكن معداً للتجارة، فالمعتبر وزنه نصاباً وإخراجاً عند مالك، وعند أحمد والشافعي أن المعتبر نصابه وزنا وقيمته إخراجاً، وإن كان فيه صناعةٌ محرمة فالمعتبر نصابه وزناً وإخراجاً، وقد فصل العلامة العثيمين رحمه الله، هذه المسألة، وبين الفرق بين الحالتين، وذكر أمثلةً واضحةَ لكل صورة، ونحنُ نسوق لك كلامه، فإنه يبين جواب سؤالك بوضوح، قال رحمه الله:

وبهذا نعرف أن الحلي ثلاثة أقسام:

1 ـ قسم يعتبر بوزنه نصاباً وإخراجاً.

2 ـ قسم يعتبر بقيمته نصاباً وإخراجاً.

3 ـ قسم يعتبر بوزنه نصاباً، وقيمته إخراجاً.

أما الأول: وهو الذي يعتبر الوزن نصاباً وإخراجاً فهو الحلي المحرم، ومنه أيضاً الأواني المحرمة من الذهب والفضة.

مثال ذلك: رجل عنده كأس من الذهب زنته عشرون مثقالاً، ولكن قيمته عشرون مثقالاً تساوي ألفي ريال، لكن هذا الذهب عندما صنع كأساً من ذهب، أصبحت قيمته ثلاثة آلاف ريال، فهل نعتبر القيمة أو نعتبر الوزن؟

الجواب: نعتبره نصاباً من الذهب غير مصنوع، وقيمته ألفا ريال، وهذا هو المذهب، ويعللون بأن هذه القيمة الزائدة في مقابل صنعة محرمة فلا عبرة بها؛ لأنه يجب عليه أن يغير هذه الصنعة، وإذا قلنا: يجب إخراج الزكاة معتبرين الصنعة فمعنى ذلك ضمناً إقراره على ذلك.

والصحيح في مسألة المحرم أنه ينبغي أن يُعْتَبر بقيمته، مثل الحلي المباح، لكن القيمة الزائدة في مقابل صنعة محرمة تجعل في بيت المال.

وأما الثاني: وهو الذي يعتبر بالقيمة نصاباً وإخراجاً، فهو ما أعد للتجارة من العروض.

مثال ذلك: رجل يتاجر بالحلي، عنده حلي يبلغ عشرة مثاقيل، فهذه لم تبلغ النصاب من الذهب، ولكن قيمة هذه العشرة أربعمائة درهم فقد بلغ النصاب من الفضة، فتجب فيه الزكاة؛ لأنه بلغ النصاب بالقيمة.

وأما الثالث : وهو الذي يعتبر بوزنه نصاباً وبقيمته إخراجاً فهو الحلي المباح.

مثال ذلك: امرأة عندها حلي من الذهب يبلغ عشرين مثقالاً ففيه الزكاة، وقيمتها غير مصنوعة ألفا ريال، وقيمتها مصنوعة ثلاثة آلاف ريال، فهي تزكي ثلاثة آلاف ريال؛ لأن هذه صفة مباحة فتقوم شرعاً.

مثال آخر: امرأة عندها خمسة عشر مثقالاً قيمتها ثلاثمائة درهم، فإنها لا تزكي منها لأنه لم يبلغ وزنها نصاباً. انتهى.

وذكرَ ابن قدامة هذه المسألة في المغني، وأوضح الخلاف فيها، فقال رحمه الله:

ويعتبر في النصاب في الحلي الذي تجب فيه الزكاة بالوزن، فلو ملك حليا قيمته مائتا درهم، ووزنه دون المائتين، لم يكن عليه زكاة. وإن بلغ مائتين وزنا، ففيه الزكاة، وإن نقص في القيمة؛ لقوله عليه السلام : ليس في ما دون خمس أواق من الورق صدقة.
اللهم إلا أن يكون الحلي للتجارة فيقوم، فإذا بلغت قيمته بالذهب والفضة نصابا، ففيه الزكاة؛ لأن الزكاة متعلقة بالقيمة، وما لم يكن للتجارة فالزكاة في عينه، فيعتبر أن يبلغ بقيمته ووزنه نصابا .....إلى أن قال: وهذا مذهب الشافعي، وقال مالك: الاعتبار بالوزن، وإذا كان وزن الحلي عشرين وقيمته ثلاثون، فعليه نصف مثقال، لا تزيد قيمته شيئا؛ لأنه نصاب من جنس الأثمان، فتعلقت الزكاة بوزنه، لا بصفته، كالدراهم المضروبة. ولنا، أن الصناعة صارت صفة للنصاب لها قيمة مقصودة، فوجب اعتبارها كالجودة في سائر أموال الزكاة. ودليلهم نقول به، وأن الزكاة تتعلق بوزنه وصفته جميعا انتهى.

والله أعلم.


مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني