الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حد الضرورة المبيحة للقرض الربوي

السؤال

أودعت ثلث ثمن بيت جديد لسكناي وعائلتي في كندا في شركة تمويل إسلامية قبل سنة تقريباً، واتفقت معهم شفوياً على تمويل بيتي بطريقة التأجير الذي ينتهي بأن تؤول ملكية البيت لي بأن أدفع شهرياً دفعةً تغطي إيجار الجزء المملوك للشركة + جزء من ثمن هذا الجزء، إلى أن يتم سداد ثمن الجزء الذي تملكه الشركة، وحينئذ تؤول ملكية البيت بالكامل لي.
دفعت دفعة مقدمة للشركة التي تبني البيت، ووقعت أوراق الشراء، ثم اكتمل بناء البيت وطالبتني الشركة التي بنت البيت بتسديد ثمنه واستلامه. راجعت شركة التمويل الإسلامية لتنفيذ ما اتفقنا عليه وتمويل البيت حسب ما اتفقنا، إلا أن المسؤول ماطل، وأخبرني أنني يجب أن أنتظر فترة 4 أشهر على أقل تقدير لتنفيذ التمويل.-وهذه الفترة كانت أكثر من 4 أشهر، ولكن بعد نقاش ومكالمات ورسائل.... إلخ وافق المسؤول على اختصارها لأربعة أشهر-. أخبرته أن الشركة التي بنت البيت لا توافق على التأجيل بل تريد الثمن بالكامل دون تأجيل، إلا أن ذلك صادف آذاناً صماء لدى هذه الشركة التي تقول عن نفسها أنها إسلامية، بل تعتبر من أكبر وأقدم الشركات الإسلامية للتمويل والاستثمار الإسلامي. طلبت من شركة البناء أن تمهلني فترة إلى أن توافق الشركة الإسلامية الممولة فلم تمهلني أكثر من شهرين مقابل غرامة كبيرة.
من ناحية ثانية، أخبرني مسؤول الشركة الإسلامية أن أجرة الجزء الذي ستموله هذه الشركة هو مبلغ ..، وأنه لن يتناقص وسيبقى ثابتاً إلى أن أسدد كامل ثمن البيت.
من ناحية ثالثة، فإن المبلغ... الذي طلبه ذلك المسؤول عن الجزء الذي كانت الشركة الإسلامية ستموله، كان هذا المبلغ يزيد بما يقارب 25 %على أجرة بيت كامل مشابه لبيتي !!
بحثت عن أي وسيلة لتمويل شراء البيت من قريب ثري بطريقة التأجير الذي ينتهي بامتلاكي البيت، أو بطريقة البيع الآجل، أو أي طريقة إسلامية أخرى، وسألت بنك إسلامي في دولة عربية ولكن دون جدوى.
اضطررت إلى اللجوء إلى بنك كندي بسبب عدم توفر بنك إسلامي في كندا يمول شراء البيت، وفي نيتي بصدق، يعلمه الله، أن أسدد كامل ثمن البيت بمجرد توفر وسيلة إسلامية أخرى للتخلص من تمويل البنك الكندي.
إضافة لذلك، فإن ما جعلني ألجأ إلى البنك الكندي هو أنه في حال تخلفي عن توفير التمويل ودفعه للشركة التي بنت البيت فإن ذلك كان قد يؤدي إلى وضع يدها على البيت ومقاضاة وربما إعلان إفلاس، وتأثر عملي وبيع البيت بالمزاد... إلخ، علماً بأنني موظف ولست مليونيراً.
أرجو الحصول على رأيكم الشرعي، وأثق بتحريكم الدقة في إعطائي الرأي.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كانت المعاملة التي أجريتها مع البنك المذكور جائزة فلا حرج عليك في معاملته لحاجتك إليها، ولما يلحقك من المشقة بتركها، وأما إن كانت معاملتك معه محرمة كأن يكون أعطاك قرضا ربويا لتمويل ما تريد فلا يجوز ذلك، لأن الربا من المحرمات القطعية التي لا تباح إلا عند الضرورة، وتعرفّ الضرورة بأنها بلوغ المكلف حداً إن لم يتناول الحرام هلك أو قارب على الهلاك.

ومن وجد مسكناً يسكنه بالأجرة لم يكن مضطراً إلى الربا لتملكه. قال بعض أهل العلم مبينا حد الضرورة: هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو -أي عضو من أعضاء النفس- أو بالعرض، أو بالعقل، أو بالمال وتوابعها، ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام، أو ترك الواجب، أو تأخيره عن وقته دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع. انتهى من نظرية الضرورة الشرعية.

وقال الشيخ المودودي: لا تدخل كل ضرورة في باب الاضطرار بالنسبة للاستقراض بالربا، فإن التبذير في مجالس الزواج ومحافل الأفراح والعزاء ليس بضرورة حقيقية، وكذلك شراء السيارة، أو بناء المنزل ليس بضرورة حقيقية، وكذلك ليس استجماع الكماليات، أو تهيئة المال لترقية التجارة بأمر ضرورة، فهذه وأمثالها من الأمور التي قد يعبر عنها بالضرورة والاضطرار ويستقرض لها المرابون آلافاً من الليرات لا وزن لها ولا قيمة في نظر الشريعة، والذين يعطون الربا لمثل هذه الأغراض آثمون. انتهى.

وخلاصة الأمر أن الاقتراض بالربا من المحرمات القطعية الثابتة التي لا مجال للتلاعب بها، ولا يباح الاقتراض بالربا إلا في حالة الضرورة، وأن الضرورة تقدر بقدرها، ولا يدخل تملك المسكن في ذلك ما دام المرء يجد سكناً يؤيه هو ومن يعول ولو بإجارة، بدون أن تلحقه مشقة يعجز عن تحملها بسبب الإجارة.

فعليك أن تتوب إلى الله عز وجل إن كنت قد أقدمت على تلك المعاملة مع البنك.

وإذا أمكن تعجيل سداد القرض الربوي مقابل إسقاط الفائدة فهذا هو المتعين، وإذا كانت الفائدة لن تسقط عنك بحال فلا وجه لتعجيل السداد عند الإمكان.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني