الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم انغماس الجنب في حوض مليء بالماء

السؤال

لقد قرأت أنه لا يجوز الدخول في حوض مليء بالماء و مسدود بسدادة عندما يكون الشخص جنبا؟فهل هذا صحيح؟ وما حكمه أو كفارته؟
شكرا على مجهودكم في رد الإجابات.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما ذكرته من أن الجنب لا ينغمس في حوض مليء بالماء ومسدود كلام صحيح. وذلك لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب. أخرجه مسلم. وللبخاري: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل. ولمسلم منه ولأبي داود: ولا يغتسل فيه من الجنابة.

وكل هذا واضح في الدلالة على أن الجنب ليس له أن ينغمس في الماء الدائم، واختلف العلماء في علة ذلك، والمشهور عند الجمهور أن الانغماس فيه يصيره مستعملا، ويسلبه الطهورية فيصير بالانغماس فيه طاهراً غير مطهر. وبالغ أبو حنيفة فذهب إلى تنجيس الماء الدائم بانغماس الجنب فيه.

وأما من قال بطهورية الماء المستعمل –وهو مذهب المالكية، واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية- فعلل النهي بأن تتابع الاغتسال في الماء يقذره مما قد يؤدي إلى إفساده على الناس. ثم إن الجمهور قيدوا النهي بما دون القلتين، وأما الماء الكثير الزائد على القلتين فلا يضر عندهم انغماس الجنب فيه، وهل يرتفع حدث الجنب إذا انغمس في الماء الدائم؟ في هذا قولان للعلماء أصحهما أنه يرتفع.

قال ابن قدامة: إذا انغمس الجنب أو المحدث فيما دون القلتين, ينوي رفع الحدث, صار مستعملا, ولم يرتفع حدثه, وقال الشافعي: يصير مستعملا, ويرتفع حدثه, لأنه إنما يصير مستعملا بارتفاع حدثه فيه.

وبهذا يتبين لك حكم الاغتسال من الجنابة في مثل الحوض المذكور, وأنه لا يجوز لنهي النبي –صلى الله عليه وسلم- عنه, وليس على من انغمس في الماء الدائم كفارة, وإنما عليه التوبة والاستغفار إن حملنا النهي على ظاهره, وقلنا بتحريم الاغتسال في الماء الدائم للجنب, وأما إذا حملنا النهي على الكراهة كما هو قول كثير من أهل العلم, فلا إثم على من انغمس في الماء الدائم وهو جنب, وإنما ينبغي له ترك هذا الفعل.

قال النووي في شرح صحيح مسلم: فقال العلماء من أصحابنا وغيرهم: يكره الاغتسال في الماء الراكد, قليلا كان أو كثيرا, وكذا يكره الاغتسال في العين الجارية, قال الشافعي –رحمه الله- في البويطي: "أكره للجنب أن يغتسل في البئر معينة كانت أو دائمة وفي الماء الراكد الذي لا يجري" قال الشافعي: "وسواء قليل الراكد وكثيره, أكره الاغتسال فيه, هذا نصه, وكذا صرح أصحابنا وغيرهم بمعناه, وهذا كله على كراهة التنزيه لا التحريم" انتهى.

وإلى حمل النهي على الكراهة مال العلامة العثيمين في شرحه على بلوغ المرام.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني