الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسائل حول الشِّعر ونشره وفضل طلب العلم

السؤال

الحمد لله على نعمه علينا وله الفضل والثناء الحسن, لدي بحمد الله القدرة على كتابة الشعر بالعامية والفصحى، وقد حفظني الله ولم أنشر القصائد القديمة التي كانت عن الغرام، وعزمت ألا أنشر شيئا منه سوى الذي يتحدث عن الإسلام.
لدي أيضا قدرة غريبة في التلحين ويمكن أن أصوغ أغنية في فترة وجيزة، ولكني بحمد الله لم أفعل من ذلك شيئا لأني أخاف أن يصبح ذنبا مستمرا فكفاني الله، فله الحمد والشكر.
أريد أن أعرف هل القصائد القديمة إذا مسحتها علي ذنب إذ أنني أرى فيها من اللغة العربية ما ينفع الناس وأخاف من ذنب المسح، وأحيانا أقول يمكن أن أكتب غيرها.
أمر آخر: أنا أحب التحقق من كل شيء وأكره البدع والخرافات، وأحب الدليل في الدين وفي الأمور كلها, أجد نفسي مدركا لأشياء كثيرة تحققت منها وقرأتها فهل يجوز لي الإفتاء, في بلدنا المتصوفة يفعلون ما يفعلون، فأحيانا أقول لأحد ما مثلا استغفر الله ترزق، وأقوم بتأليف قصة عن أحد ذكر ربه فرزق لأن معظمهم ليس لديه صبر، فأحاول جاهدا تأليف قصص غير حقيقية أقول إنها حدثت لأناس فصبروا فنالوا، وأجتهد في مبدأ أن الإنسان هو الظالم لنفسه وعليه الاجتهاد والمثابرة في كل الأحوال, أحب الاستدلال من القرآن والبخاري ومسلم والمسند، أقرأ تفسير القرطبي، وأحس أحيانا أن لدي أمثلة للشرح أجمل وأوضح فأوردها، مثلا أنادي بأن مبدأ التدريب مهم في الإسلام ويجب تدريب النفس على الصبر وقيام الليل وأفعال الخير كلها، وأقول لهم إن أحدهم لو ذهب إلى شركة وقالوا ستبدأ فترة تدريبية لمدة ثلاثة أشهر, لا أحد يستنكر ويباركون لك, ولكن لم يتدرب أحدنا على غض البصر، وأقول دائما ضع جدولا وقال مثلا شهر كامل سوف لن أغضب, شهر لن أنظر إلى الحرام وهكذا.
هل يجوز لي نشر ما تأكدت منه؟ وهل ينبغي علي أن أتفرغ للعلم إذا رأيت أن طبيعتي التي أحكم بها على الأشياء أجدها مطابقة لكثير من الأحاديث الصحيحة؟ وبحمد الله ما أحدث به نفسي من حكم ما أجده بعد التأكد وبحمد الله، لا أقول ما تحدثني به نفسي قبل أن أتأكد حتى ولو كثر صوابي، علما بأني كنت أحفظ ثلاثة عشر جزءا من القرآن ولكني بحمد الله لا أحفظ الآن إلا اليسير اليسير .
أعتذر للإطالة وأرجو منكم جوابا كافيا؟
وبالله التوفيق.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فشكر الله لكَ حرصكَ على الخير ورغبتكَ فيه، وتركك تلحين الأغاني، ونسأله تعالى أن يجعل ذلك خالصاً لوجهه، ونحبُ أن ننبهكَ إلى أمور يتبين بها جواب سؤالك إن شاء الله.

أولاً: ما ذكرته عن قصائدكَ القديمة، إن كان مما يجوزُ نشره وإذاعته في الناس فنشره جائز، وإن كان مما يحرمُ من الشعر فنشره حرام، فإن الشعر كلام حسنه حسن وقبيحه قبيح، وقد بينا حكم شعر الغزل وما يباح منه وما يكره وما يحرم في الفتويين رقم: 31012، 18243.

فإذا كانت هذه القصائد مما يُكره أستحب لك محوها وعدم نشرها، وإن كانت مما يحرم فذلك واجبٌ عليك، وما ذكرته مما فيها من الفائدة في باب اللغة، فإن غيرها يغني عنها بأضعاف مضاعفة في هذا الباب، وقد حفظ الله اللغة بكتابه وبأحاديث نبيه صلى الله عليه وسلم، وبكلام فصحاء العرب، وليس محوكَ لقصائدك مما يؤثرُ في اللغة، أو يقلل معرفة الناس بها بوجهٍ من الوجوه، بل الذي ننصحك به أن تجتهد في زيادة معارفك بعلوم اللغة من النحو والصرف والعروض وغيرها، وأن تكثر من قراءة أشعار الفصحاء المجيدين إذا كانت لك رغبة صادقة في نصرة الإسلام بالشعر، فإن وراءك في بلوغ هذه الغاية شوطاً بعيداً.

ثانياً: محبتكَ للتحقق من الأمور ومعرفة الدليل أمر حسن تُحمد عليه، بل الواجب على كل مسلم أن يتبع كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن ننبهكَ على أن الاستقلال بالفهم من الكتاب والسنة ليس لآحاد الناس وعوامهم، بل هذا وظيفة الأئمة المجتهدين، فالواجب عليك أن تقولَ بما يقول به أهل العلم، وترجع في الأمور كلها بما يقررونه، قال عز وجل: وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً. {النساء:83}، فإذا عرفت كلام العلماء في مسألة، أو فتواهم في أمر من الأمور فلا حرج عليكَ في أن تنقل فتواهم تلك للناس، بل هذا مما تُثاب عليه، فإن تعليم العلم ونشره من أعظم ما يقرب إلى الله عز وجل فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة فى جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير. أخرجه الترمذي وقال حديث غريب وصححه الألباني.

فنصيحتنا لك أن تلزم غرز أهل العلم الراسخين فيه، والمتحققين بأدلة الكتاب والسنة، واسألهم عما أشكل عليك فإن في اتباعهم نجاة، قال تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ. {النحل: 42}. ونحذركَ كل التحذير من الاجتراء على الفتوى.

ثالثاً: تأليف ما ذكرته من القصص، أمرٌ لا يسوغ، فإنه كذب، وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص في الكذب إلا في ثلاث: في الحرب، وفي الإصلاح بين الناس، وفي حديث الرجل امرأته والمرأة زوجها. ثم إن هذا التأليف للقصص لا حاجة إليه أصلا، فما أكثر قصص الصالحين من الصحابة فمن بعدهم الذين حصل لهم الخير الكثير بسبب طاعتهم، ومهما أردت أن تتكلم في باب من أبواب الترهيب والترغيب وجدت فيه من القصص الحقيقية ما يلائم مقصودك، وإنما عليك أن تجتهد في مطالعة كتب أهل العلم لاستخراج ما يناسب مقصودك من هذه القصص.

رابعاُ: ما ذكرته من الاستدلال بهذه الأمثلة، ومنها المثال الذي ذكرته أمر حسنٌ لا حرج فيه، وقد بين الله للناس مشروعية ضرب الأمثال بما ضربه لهم في كتابه منها ، قال تعالى: وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ. {العنكبوت:43}، وشرط ذلك أن يكون المثل مطابقا والمعنى المضروب له المثل مشروعاً.

وأما قولك إن ما تذكره أجمل وأوضح مما في كتب أهل العلم فكلامٌ فاسد، إذ إنما تُعرف صحة ما تضربه من الأمثال بعرضها على كلام أهل العلم الراسخين فيه، وطريقتهم في ذلك، وربما يكون ما تذكره أنفع للناس من جهة مناسبته للبيئة والزمان ، فإن كان هذا هو مقصودك فنعم.

خامساً: نشرك ما تثبت منه من العلم من أهم القربات كما قدمنا، وتفرغك لطلب العلم إن أمكنك ذلك طاعة عظيمة، فإنه لا منزلة أرفع من منزلة من آتاه الله العلم والإيمان، وفضل طلبة العلم وشرف حملته مما كثر فيه التصنيف، وانتشرت فيه المؤلفات، وحسب حملة العلم شرفاً وفضلا قول الله عز وجل: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ. {المجادلة:11}، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن العلماء ورثة الأنبياء. رواه أبو داود وغيره.

وأما ما يقع في نفسك من حديث وتظن أنه حكم الله فلا يجوز لك البتة أن تقطع به حتى تعرضه على الكتاب والسنة وفهم أهل العلم، فإن طابقها فهي منة من الله عليك، فاحمد الله عليها، وإن خالفها فارجع إلى ما دلت إليه النصوص وأفت به وانشره في الناس.

سادساً: إذا كنت قد نسيت ما حفظته من القرآن بتفريطٍ منك، فهذا ذنبٌ عظيم تجب عليك التوبة منه، وقد بينا خطورة نسيان القرآن في الفتوى رقم: 19089، فعليكَ أن ترجع إلى حفظ ما نسيته من القرآن، وأن تزيدَ عليه حتى يتم لكَ حفظ القرآن كاملاً بإذن الله.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والهداية.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني