الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جواب شبهة حول السعي بين الصفا والمروة

السؤال

إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم .
السؤال: الصفا والمروة هما جبلان وفي زمن محمد كان عليهما صنمان (هذا معروف تاريخيا ) وكان الوثنيون يطوفون حولهما, وكانت من شعائر الوثنية, فكيف أن الله جعلهما من شعائره. ألم يستغرب الوثنيون الذين دخلوا في الإسلام هذا الكلام ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما ذكرته ليس فيه إشكال بحمد الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بتوحيد الله ونبذ عبادة الأصنام، وقد كان مشركوا العرب ورثوا شيئا من دين إبراهيم عليه السلام وزادوا عليه بجهلهم باطلا كثيرا، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أقرّ الحق من ذلك ومحا الباطل، وكان من جملة ما ورثوه من الحق الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة، فجاء الشرع المطهر بالطواف بهما، وكان المشركون قد نصبوا الأوثان حول البيت وعند الصفا والمروة، فجاء الشرع المطهر بمحو ذلك كله، ولما مكن الله لنبيه صلى الله عليه وسلم وفتح عليه مكة محا منها آثار الشرك والجاهلية ولله الحمد والمنة، فليس يستغرب بوجه أن يأمر الله بالطواف بين الصفا والمروة، بل هذا نظير أمره بالطواف بالبيت، ولم تكن الأصنام الموجودة حول البيت مانعة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الطواف به في عمرة القضية عام سبع، وذلك لأن المنكر تجب إزالته عند القدرة، وحين قدر النبي صلى الله عليه وسلم على إزالة المنكر بادر بالفعل فكسر تلك الأصنام كلها حين فتح مكة عام ثمان من الهجرة، وهكذا كان الأمر بالنسبة للأصنام التي كانت عند الصفا والمروة.

ثم اعلم أن الصحابة رضي الله عنهم لم يستغربوا الأمر بالطواف بينهما - مع كونهم قبل الإسلام كانوا يعبدون الأوثان-وذلك لأمر بدهي جدا وهو أنهم كانوا يبادرون لامتثال أوامر الشرع وتطبيقها وإن كان فيها زهوق أنفسهم وتلف أموالهم غير مترددين ولا مستغربين، وهذا معروف من حالهم رضي الله عنهم، فكيف يتصور أن يستغربوا أمرا من أوامر الشرع الشريفة وهم أعلم الناس بأن كل ما يأمر به الله عز وجل هو الحكمة والمصلحة؟

ونزيدك بيانا بأن نذكر لك أن سبب نزول الآية وهو أن بعض الصحابة من الأنصار كانوا يتحرجون في الجاهلية من الطواف بالصفا والمروة وظنوا أن هذا الحكم يسري بعد الإسلام فجاء الأمر لهم بالطواف بهما، وكان بعض الصحابة قد تحرج من الطواف بالصفا والمروة في الإسلام وكانوا يطوفون بهما في الجاهلية لظنهم أن الطواف بهما لم يعد مشروعا، فإن الله تعالى كان أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة، وهذا حديث عروة ابن الزبير عند البخاري في صحيحه يبين ما ذكرناه، روى البخاري عن عروة قال: سألت عائشة رضي الله عنها فقلت لها: أرأيتِ قول الله تعالى: إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطّوف بهما، فواللهِ ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة, قالت: بئسما قلت يا ابن أختي، إن هذه لو كانت كما أولتها عليه كانت لا جناح عليه أن لا يطّوّف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلّل، فكان من أهلَّ يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة فأنزل الله تعالى: إن الصفا والمروة الآية، قالت عائشة رضي الله عنها: وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهم"، ثم أخبرت أبا بكر بن عبد الرحمن فقال: إن هذا العلم ما كنت سمعته، ولقد سمعت رجالا من أهل العلم يذكرون أن الناس إلا من ذكرت عائشة ممن كان يهلّ بمناة كانوا يطوفون كلهم بالصفا والمروة فلما ذكر الله تعالى الطواف بالبيت ولم يذكر الصفا والمروة في القرآن قالوا: يا رسول الله: كنا نطوف بالصفا والمروة وإن الله أنزل الطواف بالبيت فلم يذكر الصفا فهل علينا من حرج أن نطوف بالصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: إن الصفا والمروة من شعائر الله الآية، قال أبو بكر: فأسمع هذه الآية نزلت في الفريقين كليهما: في الذين كانوا يتحرجون أن يطوفوا بالجاهلية بالصفا والمروة والذين يطوفون ثم تحرجوا أن يطوفوا بهما في الإسلام، من أجل أن الله تعالى أمر بالطواف بالبيت ولم يذكر الصفا حتى ذكر ذلك بعد ما ذكر الطواف بالبيت..

وبما تقدم يندفع الإيراد الذي أوردته فلا يكن في صدرك حرج، وننبهك إلى أمر مهم وهو ضرورة التأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم فتذكره بلقبه الذي شرّفه الله به دون الاقتصار على ذكر اسمه مجرداً وتشفع ذلك بالصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم، فذلك خير وذخر لك في الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل: لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا {النور: 63}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني