الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الكتابة التي يقع بها الطلاق

السؤال

نريد شرحا لهذه الفقرة:
اتفق الفقهاء على وقوع الطلاق بالكتابة, لأن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق, فأشبهت النطق، ولأن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ الرسالة, فبلغ بالقول مرة, وبالكتابة أخرى. والكتابة التي يقع بها الطلاق إنما هي الكتابة المستبينة، كالكتابة على الصحيفة والحائط والأرض, على وجه يمكن فهمه وقراءته، وأما الكتابة غير المستبينة كالكتابة على الهواء والماء وشيء لا يمكن فهمه وقراءته فلا يقع بها الطلاق, لأن هذه الكتابة بمنزلة الهمس بلسانه بما لا يسمع.
وهل لو أن رجلا كتب مثلا بكتابة غير مستبينة مع النية يقع شئ سواء حكما أو ديانة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالمعنى العام لما سألت عنه أن أهل العلم قد اتفقوا على وقوع الطلاق بالكتابة إذا نواه الزوج، لأن الكتابة يحصل بها الإفهام فتقوم مقام النطق بالطلاق، وإن كانت من غير نية الطلاق فلا يقع بها عند الحنفية والمالكية والشافعية وعلى رواية عند الحنابلة.

والمقصود بالكتابة التي يقع بها الطلاق أن تكون مستبينة بمعنى كونها واضحة يمكن قراءتها، بحيث تكتب على شيء ثابت كصحيفة أو جدار ونحو ذلك، ولا يقع بها طلاق إذا لم تكن مقروءة كالكتابة على الهواء أو الماء فهي كالعدم فلا يقع بها الطلاق مطلقا ولو مع النية، وإليك كلام بعض أهل العلم حول المسألة، قال ابن قدامة في المغنى:

إذا كتب الطلاق, فإن نواه طلقت زوجته وبهذا قال الشعبي, والنخعي, والزهري, والحكم وأبو حنيفة، ومالك. وهو المنصوص عن الشافعي، وذكر بعض أصحابه أن له قولا آخر, أنه لا يقع به طلاق وإن نواه ; لأنه فعل من قادر على النطق, فلم يقع به الطلاق كالإشارة، ولنا أن الكتابة حروف يفهم منها الطلاق فإذا أتى فيها بالطلاق, وفهم منها, ونواه وقع كاللفظ, ولأن الكتابة تقوم مقام قول الكاتب ; بدلالة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأمورا بتبليغ رسالته, فحصل ذلك في حق البعض بالقول, وفي حق آخرين بالكتابة إلى ملوك الأطراف, ولأن كتاب القاضي يقوم مقام لفظه في إثبات الديون والحقوق .

فأما إن كان كتب ذلك من غير نية, فقال أبو الخطاب: قد خرجها القاضي الشريف في الإرشاد على روايتين ; إحداهما, يقع وهو قول الشعبي, والنخعي، والزهري, والحكم ; لما ذكرنا. والثانية: لا يقع إلا بنية وهو قول أبي حنيفة, ومالك، ومنصوص الشافعي، لأن الكتابة محتملة, فإنه يقصد بها تجربة القلم, وتجويد الخط, وغم الأهل, من غير نية, ككنايات الطلاق. انتهى.

وفى الإنصاف للمرداوى: لو كتبه على شيء لا يثبت عليه خط كالكتابة على الماء والهواء لم يقع بلا خلاف عند أكثر الأصحاب. انتهى.

وفى حاشية البجيرمى الشافعى على المنهج:

قوله: كتابة، وضابط المكتوب عليه كل ما ثبت عليه الخط كرق, وثوب سواء كتب بحبر أو نحوه أو نقر صورة الأحرف في حجر أو خشب، أو خطها على أرض فلو رسم صورتها في هواء أو ماء, فليس كتابة في المذهب. انتهى.

وقال السرخسى الحنفى فى المبسوط: أن يكتب طلاقا, أو عتاقا على مالا يتبين فيه الخط كالهواء, والماء, والصخرة الصماء فلا يقع به شيء نوى أو لم ينو ; لأن مثل هذه الكتابة كصوت لا يتبين منه حروف, ولو وقع الطلاق لوقع بمجرد نيته, وذلك لا يجوز. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني