الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الصلاة خلف إمام يرتكب بعض المخالفات الشرعية

السؤال

فإني أتوجه لكم بهذه الرسالة آملاً في أن تفتوني فيها حيث إن الإمام الذي يصلي بنا في المسجد يقوم بالعديد من الأعمال غير الأخلاقية، في مقدمتها أنه يقوم بسرقة أغراض تابعة للمسجد، وأكثر من ذلك فهو لا يحسن الوضوء البتة، ليس عن جهل ولكن عن علم، أي أنه يتعمد عدم الوضوء الصحيح، ونحن نشاهده يوميا بأم أعيننا، كما أنه لا يحترم أوقات الصلاة، وكل من يقدم على نصحه يقوم بالصراخ في وجهه، حتى أنه يقدم على الأذان بدون وضوء، وهلم جرا من الأفعال الأخرى التي تجعل من الصلاة خلفه محل شك، فجزاكم الله خيرا، هل الصلاة تجوز خلفه ونحن نعلم بفعله هذا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد تضمن سؤالك جُملة من الأمور، ونحن نتكلم عليها واحداً واحداً، ليتبين لكَ حكم الصلاة خلف هذا الإمام، أولاً: رميكَ للإمام بأنه يسرق من أغراض المسجد أمر لا يجوزُ لكَ الإقدام عليه بغير بينة قاطعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه. أخرجه مسلم.. فإذا تحقق كون الإمام يسرق، فلا ريب في فسقه وسقوط عدالته، وهذا الفسقُ لا يمنعُ من صحة الصلاة خلفه في أصح قولي العلماء، وإن كانت الصلاة خلف الفاسق مكروهة باتفاق الأئمة، كما ذكر ذلك شيخُ الإسلام ابن تيمية، وانظر تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 16978.

ثانياً: قولك إن هذا الإمام لا يحسن الوضوء، فإنك لم تذكر ما يُخل به الإمام في وضوئه مما ترونه بأعينكم، فإن كان يترك شيئاً من سنن الوضوء كالتثليث والتيامن، وغسل الكفين في أول الوضوء، أو يترك شيئا مما اختلف فيه والراجح سنيته، كالتسمية والمضمضة والاستنشاق، أو يتركُ شيئا مما اختلف فيه من واجبات الوضوء، وكان هو يرى سنيته كالترتيب، فالصلاة خلفه صحيحة، لأن صلاته صحيحةٌ لنفسه، وترك سنة من سنن الوضوء لا يُنافي صحة الوضوء، وجواز الصلاة به.

وأما إن كان يتركُ شيئا من واجبات الوضوء، كأن كان يتركُ غسل الوجه، أو بعضه أو نحو ذلك، فإن حدثه لا يرتفع، ومن ثم لا تجوز الصلاة خلفه لمن علم بحاله، ومن صلى خلفه لم تصح صلاته، قال النووي رحمه الله: أجمعت الأمة على تحريم الصلاة خلف المحدث لمن علم حدثه. انتهى. وقال أيضاً: فإن صلى خلف المحدث بجنابة أو بول وغيره، والمأموم عالم بحدث الإمام أثم بذلك، وصلاته باطلة بالإجماع. انتهى.

ثالثاً: قولك إنه لا يحترمُ أوقات الصلاة، غير واضحٍ تماماً، فإن كان مُرادك أنه يتأخر في إقامة الصلاة، ولا يحترم الوقت المتفق عليه لإقامة الصلاة، فهذا لا يمنع من صحة الصلاة خلفه، وأما إن كان يُخرج الصلاة عن وقتها، فإنه لا يُصلى خلفه بحال، بل الواجب البحث عن إمام غيره يُصلى خلفه.

رابعاً: قولُكَ إنه يؤذن من غير وضوء، هذا إنكارٌ منك لما ليس بمنكر، فإن الوضوء ليس شرطاً في صحة الأذان، وإن كان مُستحباً فيه، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: المستحب للمؤذن أن يكون متطهرا من الحدث الأصغر والجنابة جميعا؛ لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤذن إلا متوضئ. رواه الترمذي وروي موقوفاً على أبي هريرة، وهو أصح من المرفوع. فإن أذن محدثا جاز. انتهى.

وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل يجوز الأذان على غير وضوء وما حكم أذان الجنب؟
فأجابوا: يصح أذان المحدث حدثا أصغر أو أكبر، لكن الأفضل أن يكون متطهرا من الحدثين جميعاً. انتهى.

خامساً: قولك: إنه إذا نُصح صرخ في وجه الناصح، ليس مانعاً من صحة الصلاة خلفه، وإن كان عدم الاستجابة للنصح أمراً مذموماً.. والذي ننصحكم به هو أن تلينوا له وترفقوا به، وتناصحوه بلطفٍ، وتركٍ للشدة والعنف، فإن الرفق ما كان في شيءٍ إلا زانه، وما نُزع من شيءٍ إلا شانه، والله المسؤول أن يستجيب لنصحكم.

سادساً : إذا لم ينتصح الإمام، وكان ممن لا تصح الصلاة خلفه، أو ثبت بالبينة كونه يسرق من أغراض المسجد، فالواجبُ عليكم أن ترفعوا الأمر إلى المسؤولين، ليبدلوه بغيره، إنكاراً للمنكر، وقياماً بالنصح للمسلمين.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني