الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الرفق بالحيوان وامتناع الملائكة من البيت الذي فيه كلب

السؤال

كيف يأمرنا الإسلام بالرفق بالحيوان، وعندما يوجد الكلب بالمنزل لا تدخله الملائكة ولا بد من الملامسة للكلب؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالإحسان إلى الحيوان مطلوب شرعا، وهذا من محاسن الدين الإسلامي يقول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي كُلّ كَبِد رَطْبَة أَجْر. رواه البخاري ومسلم.

قال النووي: مَعْنَاهُ فِي الْإِحْسَان إِلَى كُلّ حَيَوَان حَيّ بِسَقْيِهِ وَنَحْوه أَجْر، وَسُمِّيَ الْحَيّ ذَا كَبِد رَطْبَة، لِأَنَّ الْمَيِّت يَجِفّ جِسْمه وَكَبِده. فَفِي الْحَدِيث الْحَثّ عَلَى الْإِحْسَان إِلَى الْحَيَوَان الْمُحْتَرَم، وَهُوَ مَا لَا يُؤْمَر بِقَتْلِهِ. فَأَمَّا الْمَأْمُور بِقَتْلِهِ فَيَمْتَثِل أَمْر الشَّرْع فِي قَتْله، .. إلى أن قال: وأما المحترم فيحصل الثَّوَاب بِسَقْيِهِ وَالْإِحْسَان إِلَيْهِ أَيْضًا بِإِطْعَامِهِ وَغَيْره سَوَاء كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ مُبَاحًا، وَسَوَاء كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَم. انتهى. من شرح صحيح مسلم.

وكلام الإمام النووي السابق يوضح للسائل الكريم أن مفهوم الرفق بالحيوان بالنسبة للمسلم يجب أن يكون نابعاً من دين الله تعالى، فهو إحسان وفق ضوابط شرعية وليس كما يهوى الإنسان، والكلب كحيوان يرفق به في حدود الضوابط الشرعية، ولا يعني هذا أن يصبح فردا من أفراد العائلة، كما يفعل السفهاء في غير البلاد الإسلامية ومن يقلدهم في بلادنا، بل هو عند بعض الأفراد أهم من الأولاد والأحفاد، وما خبر من ترك ملايين الدولارات لكلبه وحرم منها أولاده وأحفاده عنا ببعيد!!

فالذي أمر بالرفق هو الذي أخبر أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب، بل هو الذي أخبر أن من اتخذ كلبا من غير ما يرخص فيه الشرع فهو ينقص من أجره، ففي صحيح البخاري عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِيَةٍ نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطَانِ.

وفي صحيح مسلم عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ زَرْعٍ أَوْ غَنَمٍ أَوْ صَيْدٍ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ.

قال النووي: وَأَمَّا الْقِيرَاط هُنَا فَهُوَ مِقْدَار مَعْلُوم عِنْد اللَّه تَعَالَى. وَالْمُرَاد نَقَصَ جُزْء مِنْ أَجْر عَمَله. انتهى.

وكذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةُ تَمَاثِيلَ. رواه البخاري ومسلم.

قال النووي رحمه الله: قَالَ الْعُلَمَاء: سَبَب اِمْتِنَاعهمْ مِنْ بَيْتٍ فِيهِ كَلْب لِكَثْرَةِ أَكْله النَّجَاسَات، وَلِأَنَّ بَعْضهَا يُسَمَّى شَيْطَانًا كَمَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيث، وَالْمَلَائِكَة ضِدّ الشَّيَاطِين، وَلِقُبْحِ رَائِحَة الْكَلْب وَالْمَلَائِكَة تَكْرَه الرَّائِحَة الْقَبِيحَة، وَلِأَنَّهَا مَنْهِيّ عَنْ اِتِّخَاذهَا، فَعُوقِبَ مُتَّخِذهَا بِحِرْمَانِهِ دُخُول الْمَلَائِكَة بَيْته، وَصَلَاتهَا فِيهِ، وَاسْتِغْفَارهَا لَهُ، وَتَبْرِيكهَا عَلَيْهِ وَفِي بَيْته، وَدَفْعهَا أَذًى لِلشَّيْطَانِ. وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَة الَّذِينَ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ كَلْب أَوْ صُورَة فَهُمْ مَلَائِكَة يَطُوفُونَ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّبْرِيك وَالِاسْتِغْفَار، وَأَمَّا الْحَفَظَة فَيَدْخُلُونَ فِي كُلّ بَيْت، وَلَا يُفَارِقُونَ بَنِي آدَم فِي كُلّ حَال، لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِإِحْصَاءِ أَعْمَالهمْ، وَكِتَابَتهَا. وَاللَّه أَعْلَم. انتهى.

وقد اختلف العلماء هل لا تدخل الملائكة أي بيت فيه كلب ولو كان من الكلاب المأذون في اتخاذها شرعا ككلب الحراسة ونحوه مما سبق ذكره؟

فرجح بعض العلماء أن عدم دخولها عام في كل بيت فيه كلب، ولو كان مباحا اتخاذه، ورجح هذا النووي فقال في شرح صحيح مسلم: وَالْأَظْهَر أَنَّهُ عَامّ فِي كُلّ كَلْب، وَكُلّ صُورَة، وَأَنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِنْ الْجَمِيع لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيث، وَلِأَنَّ الْجِرْو الَّذِي كَانَ فِي بَيْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْت السَّرِير كَانَ لَهُ فِيهِ عُذر ظَاهِر، فَإِنَّهُ لَمْ يَعْلَم بِهِ، وَمَعَ هَذَا اِمْتَنَعَ جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ دُخُول الْبَيْت، وَعَلَّلَ بِالْجِرْوِ، فَلَوْ كَانَ الْعُذر فِي وُجُود الصُّورَة وَالْكَلْب لَا يَمْنَعهُمْ لَمْ يَمْتَنِع جِبْرِيل. انتهى.

وذهب بعض العلماء إلى أنها لا تدخل بيتا فيه كلب يحرم اقتناؤه فقط، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَإِنَّمَا لَا تَدْخُل الْمَلَائِكَة بَيْتًا فِيهِ كَلْب أَوْ صُورَة مِمَّا يَحْرُم اِقْتِنَاؤُهُ مِنْ الْكِلَاب وَالصُّوَر، فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِحِرَامٍ مِنْ كَلْب الصَّيْد وَالزَّرْع وَالْمَاشِيَة وَالصُّورَة الَّتِي تُمْتَهَن فِي الْبِسَاط وَالْوِسَادَة وَغَيْرهمَا فَلَا يَمْتَنِع دُخُول الْمَلَائِكَة بِسَبَبِهِ، وَأَشَارَ الْقَاضِي إِلَى نَحْو مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. كما ذكر النووي عنهم ذلك.

وكذا رجحت اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية هذا القول ففي سؤال لها: لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة. السؤال: من كان يربي الكلب للضرورة مثل حراسة الدجاج، فما رأي الدين في ذلك؟ فأجابت بقولها: من اقتنى كلبا لصيد أو حراسة كان ذلك جائزا له، فلا يمنع الملائكة من دخول البيت. انتهى.

ثم إن الحيوانات المباحة التي يمكن تربيتها والإحسان إليها كثيرة، فلماذا لا يمتثل المسلم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم ويقلد غير المسلمين في اقتناء الكلاب لمجرد الزينة، وليس لسبب مشروع يبيح اتخاذ الكلب كما سبق فيما ذكرنا من أحاديث؟!

وأما ملامسة الكلب فقد بينا أنها جائزة للحاجة، وذلك في الفتوى رقم: 47759، فلتراجع لمعرفة ضوابط ذلك.

ونسأل الله أن تكون الشبهة زالت عن السائل، ونوصيه بأن يتذكر قول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً {الأحزاب:36}.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني